الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

متى يكون الحمار حمارا ؟


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
متى يكون الحمار حمارا ؟



الحمار كائن حيواني وأحيانا بشري ... عادي يا إخوان ما تزعلوا، فأنا أعرف البعض منهم ، فالناس؛ منهم من هو أسدٌ بجلد بشر، وقد التقيت بواحد منهم لو وضعت أمامه أسدا ولبؤته المصون وأشباله لالتهمهم جمعيا، رغم أن وزنه لا يزيد عن 50 كغم، ومنهم من هو أصيل كالخيل يُخجلك بسمو أخلاقه وسعة كرمه، وتجد منهم الماكر كالثعلب زي الأهبل بتشاطر عليك، أو الجبان كالهر كلما سمع هيعة فرَّ منها، وها هو أحد شعراء البادية (علي بن الجهم) يُجسد  هذا التشابه بمدح الخليفة المتوكل فيقول
أنت كالكلب في حفاظك للود .. وكالتيس في قراع الخطوب
 وتجد من الناس من هو حمار كالحمار (لاحظ الحمار صفة مستقلة بذاتها).
فقد خُلِقنا جميعا من هذه الأرض وإليها نعود، إلا أن الله عز وجل خلقنا بأحسن تقويم وأكرمنا بالعقل وحَمَّلنا الأمانة، فأصبحنا ما نحن عليه، منا من يحافظ على هذه النعمة، ومنا من يرتكس إلى أسفل سافلين " أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ".
أذكر أيام كنتُ ناشطا في العمل النقابي، أننا جلسنا جلسة خاصة ذات مساء، نناقش فيها التحالف مع جهة ما، فثارت ثائرة أحدهم ووصف هذه الجهة بأوصاف قاسية، فَجُنَّ جنون جماعة الحْنَيْنِينْ (من الحنان) ومع أنها جلسة خاصة إلا أنهم طالبوه بالاعتذار، فرفض زاعما أنه وصف تلك الجهة بما فيها، ولم ينافح عن هذا المسكين إلا مهندس أديب من إربد (مش أنا) ، والذي يبدو أنه أحسنَ تربية أولاده الصغار، فكانت أكبر شتيمة سمعوها في حياتهم هي حمار وكلب، يقول مهندسنا هذا الإربداوي، أنه رافق ذات يوم ابنته الصغيرة التي لم ترى حمارا في حياتها، من عمان إلى إربد، فرأت حمارا على الطريق، فقالت له : بابا ما هذا ؟ فقال لها : هذا حمار. فاستنكرت هذه البريئة قول أبيها وقالت له بعتب: حرام عليك يا بابا تحكي عنه حمار. فرد عليها : بس يا بابا هذا حمار ! لم تقتنع البنت وأمضت الطريق حزينة تلوم أباها على وصفه الحمار أنه حمار، وكما يُقال أن تسمع بالحمار خير من أن تراه، فسكت جمع المهندسين أمام هذه الحجة البالغة، حجة وصف الشيء على حقيقته.

ليست المشكلة أن يكون بعض الناس حميرا، إنما المشكلة أن لا يعرف الحمار أنه حمار، فالتشخيص أولى خطوات العلاج، ثم من قال أن الحمار حمار، فهو مثلا يعرف الطرق عبر الوديان والجبال ويقدر الفرص والمخاطر، فقد حدثني المهندس عكرمة الغرايبة قبل أكثر من عقدين - على ما أذكر - والمسجون السابق في قضية (ألغام عجلون)، أنهم عندما أخرجوا الألغام من الحقل حينها (لاستخدامها ضد اليهود إن هم هاجموا الأردن) ووضعوها على ظهر حمار، وأرادوا التوجه به نحو أعلى الجبل، أصر الحمار التوجه نحو الأسفل، وبعد عراك طويل مع الحمار، استجاب لهم وصعد معهم الجبل، ليجدوا هناك دورية شرطة، اعتقلتهم على إثرها لثلاث سنوات، بينما ذهب الحمار إلى الأسفل حرا في حال سبيله، وقد استخدم صدام حسين أرتالا من الحمير ووضع عليهم أضوية لتضليل الطيران الأمريكي ليلا، فذهب صدام بكل شرف وبقيت الحمير، ثم إن الحمير تحسن التخفي، فقد كِدتُ أصابُ بالمس ذات ليلة حالكة، عندما رأيتُ رجلا يلبس البياض، مُباعدا بين قدميه، يطير على ارتفاع متر عن الأرض، يهتز وكأنه جان، وما أن اقتربت منه حتى تبين لي أنه راكب على حمار أسود، فبان بياض الرجل في العتمة واختفى سواد الحمار، فظننته ملكا يطير.
ومن الحمير من هو سبب هداية، كذاك الحمار الذي كان سبب هداية شاب تارك للصلاة، يوم نادته أمه وهي تجلس على الشرفة قائلة له : أترى ذلك الحمار السائر بالشارع ؟ إنه أفضل منك يا بُني رغم برك بي، فهو عابد لله ساجد له وأنت لا تصلي، مصداقا لقوله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" فما كان من الشاب إلا أن قام وصلى.
وحتى لا ينطبق علينا - إن خالفنا - وصفه تعالى: "كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا " أو قوله "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"
فكل الذي نحتاجه حتى نكون في أحسن تقويم خَلقا وخُلقا، هو قول الحبيب المصطفى :
"استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء". 
اللهم أكرمنا بطاعتك وارفع درجتنا باتباع سنة نبيك
27/12/2017


الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

أتاتورك الإسلام السياسي


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
أتاتورك الإسلام السياسي



بما أنني مُتهمٌ ... فسأحاول تغيير طريقة كتابة مقالي هذا، فعادة الكاتب البحث عن مدخل لمقاله، محاولا قدر الإمكان تلطيف العبارة وتطويع الفكرة، لتمر سلسة في ثنايا سرد تسري فيه روح النكتة ما أمكن إلى ذلك سبيلا، لكن كيف السبيل إن كنتَ متهما وتحاول دفع الظنون والاتهامات.
تهمتي الرئيسية أني لا أترك مقالا إلا وذكرت فيه زوجتي أم طارق بشكل أو بآخر، (وليست تهمتي الشغب على انحرافات الإسلام السياسي - كما ظن البعض -  فذاك شرف معركة إنكار منكر لم تبدأ بعد)، فمن كان يُؤذيه النصح أو تُغضبهُ الحقيقة، ويعتبر ما أكتبه مجرد اتهامات، فليس لي عليه من سبيل.
دفعا للتهمة، فلن أجعل مدخل مقالي رحلتي إلى تركيا مع أم طارق عام 2007، بل سأعود لرحلة استنبول مع شباب الهندسة عام 1992، فمن كان مهتما بالقراءة فَحَيَّهلا، ومن كان غير مهتم فحياه الله، ومن كان مهتما ويُظهر أنه غير مهتم، فقد ضَبط نفسه متلبسا بقراءة خربشاتي.
أما بعد
لقد كانت رَعْبَتهُ  مُخيفة، عندما أخبرناه أن الضابط على الحدود السورية طلب مقابلته، فَطَلَبُ أي شخص على الحدود، يعني غيابه عن الأنظار عقدا من الزمان في أحسن الأحوال، أو ربما غيابه عن الدنيا إلى الأبد  في سوريا المقاومة والممانعة، وليس في ذلك من بأس، فالأولوية للقضية وللعروبة وللقدس، ولا بأس أن يفقد الأبناءُ آباءهم وأن تثكل الزوجاتُ أزواجهنَّ، لمجرد تشابه أسماء على الحدود، بينما إخوانهم  المفترضين من قيادات حركات المقاومة والتحرر، تُحرر فلسطين من فنادق دمشق.
نادينا عليه لنخبره ضاحكين أننا كان نُمازحه، فلم يدري المسكين هل يفرح بعودته إلى الحياة من جديد، أم يصب جام غضبه علينا وقد كدنا نهوي به في سجن (فرع فلسطين) الشهير الكائن بجانب فنادق دمشق.
استأنفنا - بعد المقلب - رحلتنا السياحية البرية عبر سوريا مرورا بحدود باب الهوى، نضرب أكباد باص البولمن نحو تركيا، مستنشقين هواءها العليل الذي كدرته رائحة مزارع الدجاج التي زعم أحدنا أنها سبب الرائحة الكريهة التي رافقتنا لمسافة طويلة في مسيرنا الليلي، فتساءلنا، أيعقل أن مزارع الدجاج تمتد إلى مسافة لا تقل عن 100كلم ؟ وبعد تحرٍ بسيط، اكتشفنا أن مصدر الرائحة هو جوارب الراكب القابع خلفنا.
تركيا من أجمل بلاد الله في أرضه، ابتداء من أنطاكية التي حللنا بها، مرورا بجبال طوروس وصولا إلى حاضرة الخلافة العثمانية ومدينة المدن إستنبول، إن الإرث الحضاري الكبير الذي تركه العثمانيّون على العالم وأوروبا من جهة، وعلى العرب والمسلمين من جهة أخرى، لا يزال حيا، يستحضر حب المسلمين وتعاطفهم، وبغض أوروبا وحروبها، ورغم أن تركيا أردوغان وحزب العدالة والتنمية تُصر وتُصرح أنها علمانية، كما ينص دستورها وميثاق حزبها الحاكم، وتدعو علنا إليها، وهو ما نصح به أردوغان الإخوان في مصر يوم زارهم إبّان حكمهم، رغم ذلك فلا زال الكثير من أبناء الصحوة  يُصرون أنها إسلامية، وَيُقَوِّلُونَ أردوغان وحزبه ما لم يقله، وقد أسهم الخطاب المزدوج لأردوغان في هذه الضبابية، خطاب العاطفة للشعوب، يكرر فيه قصة جمال عبد الناصر الذي (زرع لنا البحر مقاثي)، فحسب خطبه الحماسية، هو سليل الدولة العثمانية وأرطغرلها، وحامي حمى فلسطين والقدس، أما خطاب السياسة القومية والعلاقات الدولية فهو لا يراعي عمليا إلا مصالح تركيا العليا، حتى لو كانت على حساب تسليم حلب - وعما قريب إدلب - للنظام السوري، أو  الاتفاق مع روسيا وإيران في حلف (الضامنون الثلاثة) وفتح أجواءه للروس لقصف الشمال السوري، وعلاقاته الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، حاله معهم كالمثل العربي (أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل)، والغريب أننا نسبُّ السعودية على نيتها السرية التطبيع مع إسرائيل، ونصفق لأردوغان وهو على علاقة علنية معها.، أضف إلى ذلك أن الإسلام السياسي يعتبر تركيا آخر حصونه الصامدة، بعد انهيار تجربة الإخوان في مصر ونزوح الناجين منهم إليها.
إن هذه الأسباب جعلتهم يصنعون من أردوغان مقدسا لا يمكن الاقتراب منه، ولو اقتصر مدح هؤلاء، على أن الرجل خدم بلده، وأفاد قومه، وصنع لهم اقتصادا قويا (رغم تشكيكي بذلك لأن عاقبة الربا المحق) وجعل لهم مكانا بين الدول المحورية في المنطقة، لربما سكت العقلاء عن ذلك، أما جنونهم به، واعتباره أرطغرل القرن الواحد والعشرين، والخليفة القادم، فتلك هي الطامة الكبرى، فالله أعز من أن يُطاع بمعصتيه، وهو أجلّ من أن يَنصُرَ دينه على أُسسٍ علمانية بحجة الاستضعاف، فالرسول صلى الله عليه سلم عَرَّفَ نفسه وهو مُستضعف تعريفا واضحا من أول يوم ولم يقل أنه على ملة قريش ليمرر مشروعه، وعندما أقام دولة المدينة المنورة - التي كانت أضعف من تركيا بآلاف المرات -  لم يسمح بأي من المحرمات، أما إن كان معيارنا هو الحريات الدينية في تركيا، فبريطانيا فيها حريات دينية للمسلمين أقدم وأكثر من تركيا، فهل نعتبر تريزا ماي خليفة للمسلمين !!!
أعرف أني بهذا الكلام فتحت على نفسي معركة حامية الوطيس، لابد للناصح من خوضها، حتى لا نكرر أنفسنا، يوم كنا نقدس عبد الناصر، ونصفق لمواقف القذافي القومية، ونمدح خطابات بشار العروبية، ونسبح بحمد سيد المقاومة حسن نصر الله ... والله يستر من آخرتها، فقد أصبح قاسم سليماني حليف أردوغان على حدودنا الشمالية.
وحتى لا يطبلني أحد بقصة الشمعة وإضاءتها، فشمعتي - بعد أن لعنتُ الظلام -  هي السهل الممتنع،أن نلتفت إلى أنفسنا  ونصلح بلادنا، ونمتلك أسباب القوة والمنعة، بدل التغني برجل قومي تركي يسعى لمصلحة بلاده فقط (كالصلعاء التي تتباهى بشعر جارتها)، إلا إن كنا نعتبر السفر إلى تركيا وحضور المؤتمرات السياحية تحت مسمى الوطنية والسياسية، واللجوء السياسي، وسماع الخطب الرنانة، هي منتهى أملنا وغاية هدفنا، كما صرح أحد القيادات بعد حضوره إحدى تلك المؤتمرات عن سيد قطب في مدينة ماردين التركية بقوله (تجربة أردوغان هي التجربة الأقرب إلى فكر سيد قطب) .... حبة بندول رجاء يا شباب، لا والله بدها عقار البثدين.
شباب طائش، شو بدك تعمل معنا ؟ فبدل أن نَسْتَغلَّ وقتنا في زيارة قصر دلمة بهجة أو متحف توب كابي في إستنبول، حيث شعرات الرسول صلى الله عليه وسلم وعباءته، لا عباءة الطرق المولوية (حيث ما لله لله رقصا، وما لقيصر لقيصر حكما)، بدلا من ذلك، أمضينا ليلتنا بمطاردة فأر مسكين في الشقة المتهالكة التي سمحت لنا ميزانيتنا استئجارها، ورغم كثرة عددنا إلا أن الفأر تغلب علينا ليلتها، ولم تجدي معه كل أساليب الحرب، من الضرب بالعصي والشمط بالشحاطات،  والتعذيب بالماء الساخن،  فاستيقظنا منهكين ونحن نتوجه نحو بلدة (يلوة) البديعة بغاباتها الجميلة وأناسها الطيبين، (الذين ربما تخدعهم العلمانية يوم تلبس لبوس الدين)، وحيث حماماتها المعدنية، والتي أقنعني أحد الشباب، ضرورة دخولها وعمل مساج لركبتي التي كنت أعاني من إصابة فيها، وبما أني مسكين لا أقول لأحد (لا) ، استجبت لطلبه، فخرجت بعد المساج وقد عُرِكتْ ركبتي عرك الأديم، فانتفخت ولم أعد أستطيع المشي عليها.
وبما أني بحاجة إلى عودة سريعة إلى قواعدي سالما قبل بدأ القصف عليِّ بعد هذا المقال، وبما أني لا أستطيع المشي على رجلي بعد المساج الكارثي في يلوة، فقد اشترى لي الشباب تذكرة طائرة  عاجلة  وشحنوني من يلوة إلى إستنبول، ومنها إلى عمان، ومنها إلى غرفة العمليات في مستشفى الجامعة، لأستخدم العكازات بعد ذلك لمدة خمسة أشهر بالتمام والكمال.
هذا وباستخدامي لقصة رحلة تركيا عام 1992 مع الشباب بدل رحلتي مع أم طارق عام 2007  كمدخل للمقال، أكون قد دفعت عن نفسي تهمة ذكر زوجتي أم طارق في  كل مقالاتي.
صحيح تذكرت ...
لقد كان آخر يوم لي - بالضبط - مع العكازات، هو اليوم الذي ذهبت فيه إلى بيت عمي أبو بلال رحمه الله لأطلب يد ابنته، ورغم أني دخلت عليه بالعكازات، إلا إنه وافق على أن أكون له صهرا ... فعلا إنه بفهم.
ألم أقل لكم أن تهمتي باطلة !
والسلام
19/12/2017


تعليقات على المقال من حوارات الفيس بوك :

 نقاشي مع الأخ عمر الشروف
أتفق معك فيما قلت باستثناء 90% منه https://static.xx.fbcdn.net/images/emoji.php/v9/f52/1/16/1f923.png🤣
إن حال هؤلاء الذين ظنوا أن حكم أردوغان هو حكم إسلامي من ناحية نياتهم ومقاصدهم لهم أشرف حالا وأنبل غاية ممن يمدحون أردوغان لعلمانيته، فهم يعتقدون أن حكم الإسلام هو الحكم وأن شريعة الرحمن هي الشريعة، لكن إستهم أخطأت الحفرة، يوم ظنوا أن العلمانية المؤمنة هي السبيل، أما من يعتقد أن العلمانية بشقيها الدكتاتوري والديمقراطي، هي الحل، فهم من أسفه الناس عقولا وأقلهم وعيا وإدراكا لسنن الحياة والخلق.
إن الذي خلق السماوات والأرض، وخلق الذرات والبروتونات، عالم الغيب والشهادة، العزيز الحكيم الخبير، لم يخلق البشر عبثا ولم يتركهم هملا، إنما بعث لهم محمد صلى الله عليه وسلم بالدين الخاتم والشريعة المكتملة المعجزة إلى يوم الدين، والتي بها صلاح البشر وعمارة الأرض، ومن ظن غير ذلك فقد افترى على الله الكذب، إذ اتهمه بالعجز والضعف " أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ".
فإما إنه إله يُعبد في المسجد وفي الحياة العامة وفي الاقتصاد والاجتماع والسياسة، وإو إنه عاجز لا يستحق منا العبادة وحاشا له ذلك فهو "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ"
أما من يعتقد أن العلمانية سواء التركية أو الماليزية، وسواء كانت علمانية مؤمنة أو كافرة ، هي السبيل فهو بحقيقة الحال يؤله عقله ويعتقد في نفسه القدرة التي تفوق قدرة الخالق عز وجل في التشريع ووضع ما يصلح للبشر في حياتهم، بخلاف المساكين الذين يظنون أن العلمانية المؤمنة هي طريق الإسلام، سبب هذا اللبس عندهم هو عدم وجود تطبيق حي للإسلام حاليا، فتعلقوا بقشة أردوغان.
أما تاريخنا يا عمر، فهو أفضل ما مر على البشرية منذ فجرها، ووجود بعض الأخطاء أو حتى الكوارث في مرحلة معينة من حكم الإسلام فمرده أخطاء المسلمين وليس الإسلام وحكمه، ولقد كانت أغلب هذه الأخطاء محصورة في بعض الممارسات السياسية، وقد كتبت في هذا الشأن مقالا يمكن المهتم الرجوع إليه، حتى لا نبقى نمجد تاريخ الأمم الأخرى التي جرّت على البشرية الويلات بينما نحن من عَمَّرَ الأرض بالعدل والرخاء.
المقال أدناه كُتب بتاريخ 4/6/ 2017 :
يتبع
 ......". وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا"
تعقيبا على ذلك المنهزم أمام تاريخ الإسلام المجيد الذي لم يمر على البشرية أفضل منه، آخذين بعين الاعتبار شمولية المعايير التي من خلالها يتم تقييم ما مضى من 1300 عام حكم فيها الإسلام أراض شاسعة وأمم شتى، فإن الباحث المنصف سيرفض حكم ذاك المهزوم الذي حكم على التاريخ الإسلامي بعد الحكم الراشدي من خلال قصص وحكايا كتاب الأغاني بأنه حكم فاشل بسبب اختلال حدث في بعض جوانب الحكم السياسي من توريث للحكم هنا أو ظلم حدث هناك، متناسيا ما فاض به ذاك الحكم على البشرية - بعدما ارتوت به أمة الإسلام - من إيمان وأخلاق وعدل وحرية وعلم ورخاء، وما لا يعد من عشرات المعايير التي يتم من خلالها إصدار الأحكام المنصفة.
ولعل الخلل الذي وقع به وغيره هو مقارنته تلك الفترة بفترة النبوة والتي حاشا للرسول صلى عليه وسلم أن يصل أحد إلى كمال حكمه أو حكم خير من وطئ الثرى بعده من الصحابة الكرام، إنما تجب المقارنة مع حكم الأمم الأخرى التي عاصرت ال 1300 سنة الماضية وكنا فيها مرجع الإيمان ومنتهى الآمال تضرب إلينا أكباد الإبل آلاف الأميال ابتغاء الحكمة وابتغاء الخلاص.
أما إن كان صاحبنا يقارن - منبهرا - تلك الفترة بأنظمة الحكم الغربية المعاصرة التي يقف فيها رجل في صورة جماعية خاصة بزوجات رؤساء وزراء الاتحاد الأوروبي باعتباره زوجة رئيس وزراء لوكسمبورج (الصورة مرفقة بآخر الكومنت)، أو يقارن تاريخنا المجيد بتاريخ الليبرالية الغربية التي حققت لشعوبها الحرية والتقدم والرخاء على حساب سحق أمم الأرض ونهب ثرواتها ؛ فذاك رجل يحتاج إلى إعادة معايرة حتى يتسنى له فهم سنن الله الغلابة" انتهى المقال.
وللعلم فزوجة أردوغان موجودة في هذه الصورة التذكارية (أدناه) لزوجات رؤوساء الاتحاد الأروربي مع (الشاذ المقرف المستمطر حجارة السماء) زوجة رئيس وزارء لوكسمبورغ المصون .
إنها العلمانية المؤمنة في أرخص صورها

ومن كان معياره الإنجاز الاقتصادي للحكم على تجربة العلمانية المؤمنة في تركيا، فحري به اتباع الأعور الدجال يوم يأتي ويدّعي الصلاح على الصعيد الديني، وعلى صعيد الإنجاز فهو على رأس القائمة، يُخرج ذهب الأرض، يُغني من يتبعه، ويُفقر من يخالفه (بإذن الله)
فالمعيار الوحيد هو معيار الله ورسوله، وليس لأحد الاقتراب من محرمات الله وحدوده، من ربا و زنا وشذوذ، وخمر، وأنجرليك، بحجة التدرج.
وتجد مفكرا إسلاميا يستغفل أمة المليار ونصف مسلم ويقول لنا أن العاهرات أصحاب الرايات كنَّ يرفعن راياتهن ويمارسن عهرهن في مكة والرسول لم يفعل معهن شيء !!! لذلك فأردوغان على الحق.
حاشا لرسول الله هذه الفرية وهذا التلبيس : فالرسول في مكة كان فردا ولم يكن حكومة ودولة ولم يكن معه أكثر من 100 شخص في أحسن الأحوال ولم يكن آمرا أو ناهيا في ظل حكم قريش التي عرضت عليه الملك فرفضه.
وعندما أقام حكومة ودولة في المدينة فإنه لم يسمح بأي شيء من هذا، بل طبق كل الأحكام النازلة إلى حينه، حتى لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع يدها، واحترم حدود الله، واحترم دينه ومبادئه ولم يستلم حكما في مكة عند الاستضعاف، ليكون راعي العاهرات والشواذ والربا والزنا والخمور كما هو أردوغان.
"
ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه"
ألا إن محارم الله وحددوه في تركيا هي المهانة، ألا وإن حمى الاقتصاد والقومية وقصر أردوغان الذي كلف مليار دولار هي المصانة.
اللهم إني أبرأ إليك من هذا
اللهم فاشهد

تعليقي على مداخلة الأخ هاني زاهدة

خامسا : أما قولك أني أدعو إلى مشروع قائم على انتظار الأعور الدجال، فذاك خلاف الصواب، ولم يرد في كلامي أبدا، بل أنا من أشد الناس على من يربط الأحداث بالغيبيات، أو من يعتمد على سياسة انتظار المهدي أوما شابه، أما ذكري للدجال في تعليقاتي السابقة، فإنه كان من وجه الشبه المتعلق باعتماد (الإنجاز الاقتصادي) كمعيار للحكم على نجاح التجربة وصحة المسار، ومن يعتمد على هذا المعيار وجب عليه تصحيح تجربة الإمارات من باب أولى، وتصحيح تجربة هرقل روما يوم حقق لشعبه إنجازا اقتصاديا بديعا على حساب شعوب الأرض التي كان يُلقي بها تصارع الأسود في مدرج الكولسيوم ليستمتع شعب روما العظيم بالنظر إلى افتراس الأسود للمساكين، وعلى ذلك قس.
رابعا : أما مسألة (رجال الدين) هذه التي يدندن حولها كل من أراد أن يكون الدين سداح مداح، والتي يتم فيها تأميم الدين لمن هب ودب، فهي والله الطامة، إذ ساويتم فيها بين من يعلم ومن لا يعلم، والغريب أن هذا (الحيط الواطي) هو فقط في حق الشرع، أما الطب والهندسة والفيزياء والقانون وغيرها من جوانب العلوم النظرية والتطبيقية، فإن ممارستها مضبوطة بأهل الاختصاص وبالقانون، والنظرة إلى الشريعة الخاتمة على أنها مجرد قيم متعلقة بالأمانة والإحسان واتقان العمل وضمير فقط، فالأم تريزا أولى منا بذلك. بل هي شريعة حاكمة (وإن لم يكن الواقع حاليا مطابقا) وشاملة وبنصوص مقدسة قد يختلف أهل الاختصاص في فرعياتها لا كلياتها وأصولها، وقد أحيطت هذه الشريعة بمنظومة علوم شريفة غير مسبوقة، ومن أراد الله به خيرا فقد فقهه فيها. وتخيل أخي هاني لو أنك طبقت هذه الطريقة على القانون والمحاكم التي تتعامل بها يوميا، وسمحت للمراسل والفراش في قصر العدل بالجلوس مكان القاضي، فما هي النتيجة ؟؟ وشرع الله أجل وأعظم وهو المهيمن على كل العلوم التي هي أصلا مخلوقات لمرسل هذه الشريعة عز وجل.
ثالثا : أما موضوع محاكمة المشاريع الأخرى والملل الأخرى بناء على المرجعية الإسلامية، فذاك ليس بدعة ابتدعتها، إنما هي حقيقية وجودية، فقد أرسل الله الإسلام كدين خاتم مهيمنا على الأديان الأخرى يسعى في نهاية المطاف أن يكون حاكما للأرض كلها، وهو وعد رباني لا دخل لي به، ومن ضمن هذه الشريعة المهيمنة، أن أهل الكتاب يتحاكمون إلى شرائعهم من الناحية العملية، أما من الناحية النظرية أو من الناحية القيمية "قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ".
فالحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع، حتى لو كانت تجربة حكم قبائل الزولو لجنوب إفريقيا.
فالمسلم ميزانه واضح ونظرته مبنية على معايير سياسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية يحكم من خلالها على ما يراه، وإلا فإننا إمة لا تستحق الخيرية التي أعطانا الله إياها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ" وكيف برأيك سنكون " وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ"، فنحن (أمة الإسلام) شهداء الله على خلقه وهو الغني عنا عز وجل.
ثانيا : أم قصة (المشروع الحداثي) فتلك معركة مصطلحات لسنا في معرضها الآن، فاختصر وأقول : إن قصدت ب (الحداثي) من ناحية الوقت، حدث اليوم ولم يحدث البارحة، بمشيلك إياها، أما إن قصدت الحداثي المعاكس للرجعي المتخلف، فاسمح لي أن أقول لك، أن تجربة أردوغان هي أكثر التجارب رجعية في تاريخنا المعاصر، وقد عادت بنا إلى ما قبل الجاهلية الأولى يوم كان الناس يؤلهون الحجر وهم اليوم في علمانيتهم يؤلهون عقولهم، ينظنون أن فصل الدين عن السياسة هو عين الحكمة كما يصر ويزعم أردوغان، وهو بذلك وضع نفسه ندا لله، وأي صغار ورجعية وسقوط أكثر من هذا، ويزيد عليه في ذلك أن جذوره إسلامية، فهو يعلم، ومن يعلم يكون حسابه عند الله أشد ممن لا يعلم وكان أصلا علمانيا.
واعلم أخي الحبيب أن المشروع الإسلامي (وهو غير موجود حاليا) هو الحداثة وهو الخير وهو التطور وهو الذي يلبي حاجة البشرية في كافة نواحي الحياة وضعه رب العباد (الذين تجرأوا عليه بزبالات أفكارهم).
أولا : يعجبني فيك دماثة الخلق وحسن اختيار العبارة، فأنت من بيت لو التقيت بأفراده كل على حدة، لعرفت أنهم إخوة تربوا في نفس البيت الكريم، تذكرني دماثتك بطيب الذكر عماد فأبلغه مني السلام، وسامحني إن أسأت .
حفظك الله

رد على الأخ أحمد أبو عمر

أولا: لماذا الآن ؟ لأن الموضوع لم يُطرح البارحة، ولو طُرح الموضوغ غدا سيكون الجواب : لأنه لم يُطرح اليوم. أظنه سؤال سُفِسْطائيّ، إنما هو منكر أُنكره وقد استفحل شره.
ثانيا : صراع مصالح الغرب معه لا علاقة له بانحراف بوصلته عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فمصالحه كانت البارحة مع أمريكا ضد روسيا، وهي اليوم مع روسيا ضد أمريكا، اشترى الفصائل السورية البارحة، وباعها مع حلب وإدلب اليوم.
ثالثا : القياس على الانجاز الاقتصادي ليس بمعيار لمعرفة الحق من الباطل، فكل يسعى لمصلحة بلده، وما أنجزته الإمارات اقتصاديا وعمرانيا يفوق ما أنجزه أردوغان، وقد حقق نتنياهو لليهود ما لم يحققه غيره لشعبه، فتلك مقاربة غير سليمة.
رابعا : لو نظرت إلى إنجازاته ومصالحه التي حققها بتحالفه مع أمريكا أيام كانت تقصف العراقيين من قاعدة أنجرليك، ومصالحه التي حققها بتحالفه مع الروس الذين أبادوا السوريين واستخدموا أجواءه لقصف الشمال السوري، وقارنته مع ما أصاب العراقيين والسوريين، أو لو كنت مع من دُمرت بيوتهم، أو كنت ممن اغتصبَ حلفاؤه الإيرانيين الحاليين زوحته أو بنته ، لكفرت بكل إنجازاته القومية، ولبصقت على المحافل الدولية التي ناصرنا بها، لكننا ندافع عنه هنا، بعيدبن عن إجرام الروس والايرانيين والأمريكان، وكأننا لسنا جسدا واحدا.
خامسا : ما فائدة الحجاب ودروس تحفيظ القرآن ، إن انتهكت محارم الله.
سادسا : نقاشي مع 
Omar Shroof أعلاه فيه تفصيل أكثر.
سابعا : سألت سؤالا بريئا في كومنت عن مقارنة أردوغان بالحكام العرب من ناحية موقفهم من الشذوذ الجنسي، لم يجب عليه أحد لغابة الآن ، يمكنك مطالعة السؤال.
ثامنا و سأكتب سؤالا جديدا بكمونت مستقل أبحث له عن جواب أيضا.
تحياتي الخالصة 



السبت، 16 ديسمبر 2017

مسيرات وذكريات ... وأشياء أخرى


مسيرات وذكريات ... وأشياء أخرى



أنتَ ... تَفَضَّلْ إلى اللوح وأجب عن السؤال.
 كان ذلك عام 1987 يوم فاجأني الدكتور صادق حامد في مادة الإلكترونيات في كلية الهندسة، قاطعا بذلك شرود فكري المستمر من مساء البارحة، عندما تقرر أن تقود كلية الهندسة مسيرة الاتجاه الإسلامي لهذا اليوم، احتجاجا على زيارة وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز إلى الأردن - تخيلوا، كانت زيارة وزير خارجية للأردن تستدعي مظاهرة حينها، واليوم يستضيف بعض أبناء الصحوة الأمريكان في بيوتهم الخاصة -  كان وقع طلب الدكتور كالصاعقة، فأنا حاضر الجسد في قاعة الدرس، لكن ذهني هناك بعد ربع ساعة من المحاضرة، حيث سنقود مظاهرة هي الأولى في الجامعات الأردنية بعد أحداث جامعة اليرموك الدامية عام 1985، وكل الاحتمالات متوقعة، في ظل أجواء أمنية مشحونة، وقفت أمام اللوح المرسوم عليه خرابيش، قالوا لي فيما بعد أنها معادلات وقوانين، ولم أدرِ ما أقول للدكتور، وهو يلح عليَّ بالإجابة، هل أقول له أني سأكون بعد ربع ساعة مع مجموعة قيادة المسيرة ملثمين لنخرج من أماكن متفرقة بنفس الثانية - بعد أن ضبطنا ساعاتنا على نفس التوقيت -  مجتمعين في مكان واحد في كلية التربية لنتوجه نحو برج الساعة معلنين بدء المسيرة،أم أقول له أي شيء عن  الترانزستور والدايود أو حتى فيش الكهرباء، صمتُّ، فأكلت ما فيه النصيب من البهادل من دكتور مشهود له بالشدة والقسوة.
مسكين فلان - لن أذكر اسمه احتراما لسرية المعلومة وهو من أصدقائي الحاليين على الفيس بوك وله حرية الكشف عن هويته - يبدو أن ساعته تقدمت عن الضبط المشترك لساعات قادة المسيرة، فخرج من مخبئه  متلثما بالحطة (الشماغ)، وحيدا في بهو كلية التربية، ظانا فينا الظنون، قبل خُروجنا بدقيقتين، الله لا يضعكم مكانه، شخص ملثم وحده وسط طلاب  كلية التربية، الكل ينظر إليه وهو لا يدري ما يفعل !!! خرجنا جميعا على التوقيت المحدد، منطلقين نحو برج الساعة لنكون بؤرة تجمع المسيرة التي انطلقت تشتم أمريكا ومن تحالف معها، لنكتشف أن البعض منا ربما عادت شتيمته إليه (فكان كشاتم نفسه) بعد عقدين من الزمن عندما أصبح  صديقا إن لم يكن حليفا لأمريكا.
 كنا بعد ذلك ليومين متتاليين إذا رأينا أحدا من الطلاب نقول له بلغة الإشارة  " إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا"، فأي كلمة تصدر منك بصوتك المبحوح تكشف أنك كنت من قادة المسيرة، أما خطأ كلية الزراعة التي وُكِّلَتْ بمسيرة أخرى لاحقا فقد كان فادحا ومضحكا، يوم كشف أحد قياداتها نفسه بطريقة طريفة، فقد كان الهتاف الرئيسي في المسيرة هو (الله أكبر) ، يهتف قائد المسيرة عبر مكبر الصوت (تكبير)، فيردد آلاف الطلبة خلفه بصوت واحد (الله أكبر). ذهب صاحبنا بعد المسيرة إلى مصلى كلية الزراعة  بعد أن خلع لثامه وغيَّر ملابسه وعاد طالبا عاديا، فقدموه لصلاة العصر إماما، وبدل أن يبدأ الصلاة بقوله (الله أكبر) سبقه لسانه وقال (تكبير)، والباقي عندكم، فقد تفرق جمع المصلين خلفه بين ضاحك وخاشع وربما خائف أو هارب.
ومن طرائف شأن المسيرات هذه، أن قيادة الحركة الإسلامية أوكلت إلينا في كلية الهندسة ذات يوم مهام تنظيم مهرجان خطابي مُباغت في مسجد الجامعة الأردنية بعد خطبة الجمعة، وكنتُ ضمن الفريق المختص بمنع خادم المسجد من قطع الكهرباء عن مكبرات الصوت بعد الصلاة كعادته، وبعد دراسة تحركات الخادم في الجمع السابقة، وجدنا أنه كان يُشَغِّلُ المكبرات من غرفة في مؤخرة المسجد، ثم يقفلها بالمفتاح ويذهب إلى الصف الأول لحضور الخطبة، ثم يعود بعد انتهاء الصلاة ويقطع الكهرباء عنها، كانت خطتنا تقتضي وضع عود ثقاب داخل زرفيل باب غرفة الصوتيات بعد مغادرة الخادم لها إلى الصلاة، وعند عودته فإنه لن يستطيع إدخال المفتاح في الزرفيل، فتبقى الغرفة مغلقة، والصوتيات شغالة حتى انتهاء المهرجان الخطابي.
سارت الأمور على ما يرام، وتموضعنا في مواقعنا بجانب الغرفة، وما أن غادر الخادم إلى الصف الأول، حتى نفذنا المطلوب بطريقة احترافية، ووضعنا عود الثقاب داخل الزرفيل، وما أن انتهت الصلاة حتى بدأت التكبيرات تصدح في أرجاء المسجد معلنة بدء المهرجان، وتقدمت قيادات الحركة الإسلامية إلى مكبرات الصوت لتخطب، فهرع الخادم - خائفا على وظيفته ورزق عياله - إلى غرفة الصوتيات لقطع الكهرباء، ونحن ننظر إليه بغرور المنتصر، لنكتشف أنه لم يغلق غرفته بالمفتاح ذلك اليوم، ففتح الباب وقطع الكهرباء ونحن ننظر إلى بعضنا البعض بذهول، وقد فشلت خطتنا ولم يكن لدينا خطة بديلة.
ذكريات راودتني وأنا أتابع مسيرات الجمعة، وهبة الأمة للدفاع عن قدسها، معترفا بتقصيري تجاهها، متمنيا لها النجاح بتحقيق هدفها، مترحما على شهدائها، متسائلا : هل الهدف هو إلغاء قرار ترامب ؟ وإن تم ذلك، فهل نتوقف عن المسيرات بعد إلغاء القرار ؟ وكأننا حينها نقول للعالم : لا مشكلة لدينا أن تكون تل أبيب عاصمة إسرائيل، ولا مانع لدينا من بقاء فلسطين تحت الاحتلال، وسنكتفي بحل الدولتين، وبالقدس الشرقية عاصمة لنا، فنكون بذلك سرنا بالمسارات المرسومة لنا سلفا، وبقيت فلسطين كل فلسطين تحت الاحتلال، وكان نجاحنا المُتوهم هو نجاح عدونا.
إن أخطر شيء في مسار حركات التحرر هو مرور الوقت وتبدل الأجيال، فتصبح مسلمات الأمس منكرات اليوم، فشعار فلسطين من البحر إلى النهر غاب مؤخرا عن أغلب شعارات وبرامج حركات التحرر، وأصبحت مشكلتنا الحالية هي اعتراف ترامب أو عدم اعترافه، والذي بحقيقة الحال لن يغيِّر شيئا على أرض الواقع.
وعودة إلى واقعة الدكتور صادق حامد عام 1987، فلا زلت محافظا على ميثاقي الغليظ مع طالبة كانت حاضرة في الصف ذلك اليوم، شاهدة على  حدث البهدلة المشؤوم، (كاشفة البير وكاشفة غطاه)، لم أكن أعلم يومها أنها ستكون بعد عدة سنوات ... أم طارق زوجتي العزيزة، كما أني أسعى جاهدا أن يكون موقفي من  أولبرايت وباول و كوندوليزا رايس وكلينتون وكيري وتيلرسون الآن، كموقفي من جورج شولتز عام 1987، لا أُغيِّر كمحسن عبد الحميد وراشد الغنوشي، وستبقى تل أبيب عند عامة المسلمين - وأنا منهم - إسلامية يطالبون بها قبل القدس، ولن تغيَّر الأيام شعارهم الخالد فلسطين إسلامية من البحر إلى النهر.
16/12/2017


الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017

الحق كالطفل





قال رسول الله صلى عليه وسلم "كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكما إلى داود صلى الله عليه وسلم فقضي به للكبرى فخرجتا على سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل رحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى" متفق عليه
صاحب الحق الأبلج لا يساوم عليه مناصفة مع صاحب الباطل المُتلجلج بباطله
فالحق كالطفل نقي بسيط وواضح جميل ولا يقبل القسمة على اثنين
12/12/2017

الاثنين، 11 ديسمبر 2017

الحِمل الزائد


الحِمل الزائد



مُنتهى أملي، ومُنية نفسي، رَمَقْتُهُ من بعيد، ليس إليه من سبيل، لم تصله يدايَ "كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ" كذلك هي المعالي، وإن شئت - للدقة - قلتَ السَّفاسف ...
 رِباط الحذاء،
شأن كل الناصحين (من النصاحة أي السمنة وليس من النُصح) في أغلب أمورهم اليومية، يبتغون المعالي بتحسين صحتهم بالحمية الغذائية المستحيلة، من أجل القيام بسفاسف  المستحيلات السبعة كربط الحذاء، وأنى لهم ذلك، فاختصارا للمشاكل قررت من يومها شراء أحذية بدون رباط.
كل الناصحين فاهمين عليّ، فمثلا إذا رأى أحد منهم ميزانا، تكهرب وجهه وتجهم ثم وَلَّى مدبرا لا يلوي على شيء، وإذا ما اضطر لاستخدام الميزان بناء على إلحاح الطبيب مثلا، فإنه يقوم بكافة إجراءات برتوكولات الناصحين، من خلع للملابس، وعدم شرب الماء ذلك اليوم، وشرب زهورات من أجل تلين المعدة لتخفيف الحمولة، إلى آخره من سُبل خداع النفس، حتى يخسر عدة كيلوغرامات يَكسر بها عين الدكتور أو عين زوجته المُتربصة.
من قال أن المشكلة في الشوكلاتة والمناسف، بل هي في الجينات الموروثة، فهي التي تسبب النصاحة، والدليل أن هناك من يأكل ضعف ما نأكل ويبقى معصمصا (نحيفا)، ويحافظ على قياس واحد لبناطيله من يوم تخرجه من الجامعة إلى أن يصل قبره مرورا بزواجه، وعلى سيرة الزواج وبناء على بروتوكولات حكماء آل العقاد الواردة في مقالي السابق (عجل صويلح المقدس)، فإن أم طارق ألزمتني منذ الزواج على تفصيل بناطيلي عند الخياط الدمث الأديب سلامة صرصور الكائن محله وسط البلد، لأنه الخياط الوحيد المعتمد عندهم، ولكن أم الأثافي ليست هي خضوعي لكافة الجهات المعتمدة لدى آل العقاد في تسيير أمور حياتي، فأنا رجل مطيع، إنما المشكلة أني لخبطت كيان الخياط، فالرجل عنده دفتر يدون فيه قياسات الزبائن الثابتة عبر السنوات، باستثناء صفحتي، فهي مليئة بالخربشة والشخبطة لكثرة تغيير القياسات، ألم أقل لكم أن المشكلة في الجينات.
حلا للمشكلة قمت بعملية إعادة هيكلة وتطوير إداري لخزانة الملابس، فبدل التوسيع والتضيق للبناطيل، اعتمدت خمسة قياسات لكل قياس خمسة بناطيل، قياس الرشاقة ونادرا ما يُستخدم، قياس البشر العاديين، قياس النصاحة، قياس ما بعد النصاحة، قياس الدب، وتم لاحقا إضافة الدشاديش والأثواب للحالات الطارئة، وهي التي يَستخدمُ فيها الإنسان (كرشه) كطربيزة لفنجان القهوة.
تجربتي مع الحمية الغذائية (الرجيم) تجربة فريدة، نجحت فيها مرات وفشلت مرات، مربط الفرس فيها الإرادة القوية، ثم تأتي بعد ذلك التفاصيل، فلا بد للإنسان كما لا بد للمجتمعات والحركات والأحزاب التخلص من الحمل الزائد، فهو يُعيق المسير ويُتعب الصحة، وكم هو رائع شعورك بالتحرر من هذه العوالق، فتربط حذاءك بسهولة، وتصعد الدرج برشاقة، ويصفو ذهنك بنقاء، وتفكر بحرية أرحب.
رغم إصراري أن المشكلة في الجينات، إلا أننا لم نكن أيام النصاحة - على المستوى الفردي - نلتفت لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه " ، كما لم نكن أيام النصاحة - على المستوى الجماعي - نلتفت لفعل طالوت وسياسته المُخلدة في القرآن في قوله تعالى " فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ " فقد تعمد طالوت تقليل العدد، وخفف من حمله الزائد، فَعَبَرَ النهر لملاقاة جيش جالوت العظيم بثلاثمائة رجل، لم يشربوا من نهر الهوى والخلاف، ولم يثملوا من الصراع على السلطة، كانوا على قلب رجل واحد يسعون لهدف نبيل واضح، "فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ "، بخلاف سياسة كثير من الحركات والأحزاب الإسلامية التي تعتمد بشكل كبير على التجميع، بغض النظر عن النوعية، فحوت في صفوفها أفرادا من أقصى اليمين حتى أقصى اليسار، فتكون محصلة القوى إذا تعاكست صفرا حسب نيوتن، وذاك ذهاب الريح، أو تكون النتائج مريعة لكثرة التضارب في الأهداف والوسائل، وكانت حركة الإخوان رائدة في ذلك بين الحركات الإسلامية كما هي فتح رائدة بذلك بين الحركات الفلسطينية.
"أضحت حركة الإخوان في الحركات الإسلامية كحركة فتح في الحركات الفلسطينية لا لون ولا طعم لا رائحة" مقولة أظن أني سمعتها قبل عقدين من الزمان من الفاضل إبراهيم العسعس حسب ذاكرتي، وليصححني إن أخطأت، ربما بالغ في الوصف وربما كان دقيقا، لكن الحقيقة أنهما يدوران في حلقة مفرغة، كل فرد فيهما يُغَنِّي على ليلاه، فيقع الخلاف ويحدث التضارب الذي تكون نتيجته الانشقاقات المتتالية، كما حدث مع فتح سابقا وخرجت منها تنظيمات لم تختلف مع حركتها الأم إلا باختلاف ولاءاتها الإقليمية كفتح الانتفاضة، وكما يحدث حاليا مع حركة الإخوان في الأردن، إذ انشق عنها بغطاء حكومي من سرق اسمها وتاريخها دون أي إضافة فكرية تُذكر غير ولاءات إقليمية ضيقة، وترخيص رسمي.
إن هوس التجميع والأكثرية دمر البنية الفكرية الصلبة للحركات السياسية، فضاعت بوصلتها، فرفضتها أو بدأت ترفضها الجماهير، والتي كان السعي خلفها سبب هذه الميوعة الفكرية والتنظيمية، ولو حافظت هذه الحركات على بنية فكرية متماسكة لأمكنها تحقيق أهدافها، فتتبعها الجماهير لاحقا، كنتيجة لتماسكها لا كسبب.
ورغم أني كنت في يوم من الأيام من هذه الحركات، التي كانت ربما تنام أحيانا ولا تستيقظ إلا على صياح الانتخابات، ورغم أني مجدت الأكثرية يوما، و سعيت لكثرة الأصوات في يوم آخر، وحصلت على أعلاها في انتخابات العمل الطلابي والنقابي، إلا أني اكتشفت أننا أصبحنا ندور في حلقة مفرغة، يوم بحثنا عن الجماهير ولم تبحث هي عنا، فقررت التخلص من هذا الحمل الزائد، فتحررت من عبودية الجماهير ونفاق الرعاع والعامة، وسعيت لوضع ذلك التحرر في جسم سليم، فتخلصت من حِمل كرشي الزائد بممارسة الرياضة اليومية، فغدوت رشيق الجسد حر التفكير بفضل الله وحده.
ثم
أعدت هيكلة مكتبتي وانتقيت كُتبي كما ألغيت التطوير الإداري في خزانة ملابسي ولم يعد عندي إلا قياس واحد
قياس البشر العاديين ... " الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ"
أسأل الله أن أكوان وإياكم منهم
11/12/2017

السبت، 9 ديسمبر 2017

القدس ... ثمانون عاما كلٌ يزعم الوصل وما وصل






الأمم المهزومة، تكون دائما في موضع رد الفعل، وتَئنُّ تحت ضغط إطفاء حرائقها اليومية، مما يمنعها من وضع الأهداف وتحديد المسارات واستشراف المستقبل، ويمنح ذلك عدوها الفاعل المنتصر فرصة رسم مساراتها، مُضيفا إليها هامشا ضيقا  للتحرك، لتكون خياراتها ضمن ما أراده لها، فتظن نفسها مُتَخِذةَ القرار وصاحبة الرؤية، وأين ما أمطرت قراراتها وتحركاتها فخراجها عائد إلى عدوها، وأي محاولة من داخل الأمة للتفكير السليم، أو إعادة التوصيف الحقيقي للواقع، ووضع العجلة على السكة ، تُواجه بسيل من الانتقادات والإرهاب الفكري، بحجة أن الأولوية هي إطفاء الحريق المشتعل، ومعالجة الحدث الطارئ، وبالنتيجة فلا حريقا أطفأنا ولا هدف حددنا ولا مسيرا رسمنا، وتحت عنوان القدس بوصلتنا ... أضعنا القدس وأضعنا معها أنفسنا.
يكفي المتسلق أن يعلن عن هدف جميل يدغدغ به العواطف، ثم  ليفعل ما يشاء، فالغاية عنده تبرر الوسيلة، ولا مانع أن تأكل الحرة بثدييها لتعيش، وكلما أنكر على هؤلاء مُنكِرٌ، وَبَّخُوه وذَكَّرُوه بالهدف والغاية ... أليس بوصلتهم القدس !!!  فتحت طهرها مارسوا الرذائل، وعلى قارعة الطريق إليها ... ضاجعوا الشيطان.
كم هو جميل منظر عامة الناس ينتفضون دفاعا عن القدس، وكم هو مجيد فعل أهل فلسطين في الدفاع عن المسجد الأقصى، وكم هو مؤثر تفاعل عشرات الملايين من المسلمين لا يحقرون من المعروف شيئا بكلمة هنا وتبرع هناك، وكم هو بالمقابل مثير للغثيان تمثيل السياسيين والإعلاميين، وكذب المجرمين قتلة الأطفال في سوريا واليمن والعراق وإيران، بوصلة نباحهم القدس، وبوصلة بندقيتهم بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، والحبل على الجرار.
لقد كانت قضية فلسطين قبل عقود قضية إسلامية، ثم تحولت إلى قضية عربية، وما لبثت أن تَقّزَّمت إلى قضية إقليمية تخص دول الجوار، قبل أن تُمسَخَ إلى قضية فلسطينية بحتة، سخطتها اتفاقية السلام إلى قضية (غزة أريحا أولا) ، واستفاقت الأمة عليها ... قضية شُرط ومعابر .
وبعد ذلك نغضب من قرار ترامب ! فمن الذي سيمنعه من الاعتراف بالقدس عاصمة لليهود !! بل هو غبي إن لم يفعل، وحالنا هو حالنا، فقد هبت رياح ترامب فاغتنمها، وهب رياحنا عشرات المرات، قتلنا فيها صلاح وشتمنا فيها قطز.
كانت الطامة الكبرى عندما تحولت قضية القدس من قضية دينية إلى قضية تاريخية، وإن لم نصحو ونعيد  الصراع مع إسرائيل إلى حقيقته، فإن البحث عن سند تسجيل (قوشان) فلسطين في بطون كتب التاريخ الصفراء لن يحرك أمة المليار ونصف مسلم، إنما يحركها قوله تعالى " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". وإن كان الصراع تاريخيا كما رسم لنا عدونا مساره؛ فقولوا لي بربكم، مع من وقف القرآن الكريم ؟ مع طالوت المؤمن أم مع جالوت الكافر ؟؟!!
مسكينة  القدس، ما عَزَفتْ على الأغراب لحنها، وفي خِدرها هي لم تَمَلَّ ، صوتها المُخْمَلِيُّ لؤلؤة مكنونة، ونسجُ عُرسها حريرٌ  لم يُمس، ثمانون عاما كلٌ يزعم الوصل وما وصل، ومن روحها السامقة نحتوا هُبَل، وعلى أعتابه هتكوا شرفا ونحروا أمل، وعبد، الحسين والزهراء والمهدي، بوصلتهم القدس ... وهي تلعنهم ولن تَكِلَّ،  وفارسها المُدجج بالعز  طيفٌ لم يصل،
القدس دين، ولن تعود إلا بالطهر، وعلى يد الأطهار، يجوسون الديار، فما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.
مدينة فتحها عمر لن يُدنسها لاعن عمر.
9/12/2017

الاثنين، 4 ديسمبر 2017

ينظرن مذهولات


ينظرن مذهولات






هناك حيث رُتِّلَ " ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ " ، تَماثلت خيالاتهنَّ كالأشباح في البرزخ المُسمى عنبر الزيارة، وقد تناهى إلى مسامعهنَّ الغضة، أنه في سجنه قد جُنَّ.
يَنظُرْنَ مذهولات
أذاك الشارد في غياهب التيه ... أبونا !!
أذاك المُتعري أمام الناس ... حبيبنا !!
أصيحة الموت في ليل السجن البهيم صوتك ... روحنا !!
يتأخرن ... وتتقدم الصغرى
أنا بُنيَّتك ... بابا
انظر في عينيَّ علَّك تعود
لامس راحة كفي علَّك تصحو
أنا المفضلة لديك ... أتذكر
لمن تتركني ؟
للحزن أكابده طيلة عمري
أم لذكراك الأليمة تقتلني
إنه قهر الرجال ... أبي
إنه ذهاب براءتي ... يا تاج رأسي
حسبي الله ... حسبي الله ونعم الوكيل
جعلك الله فتنة للذين ظَلَموا
وتذكرة للذين ظُلِموا
أن فضله على هؤلاء في العاقبة كبير
وأن قوله على أولئك " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ " ماضٍ مُتحقق
فانتظر روح قلبي " إِنَّا مُنتَظِرُونَ "
فَ " السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ "
4/12/2017