مراجعة الأستاذ ياسر الزعاترة لرواية قمر حران:
عن رواية "قمر حرّان.. الشيخ والسلطان " لـ"ليث التل".
الشيخ هو "ابن تيمية"، والسلطان هو "محمد بن قلاوون".
هي التجربة الثالثة للكاتب الأردني، بعد "آخر الرجم"، و"تراتيل الخلود والفناء". وهي للأمانة الأكثر تميّزا، ربما خلافا للسائد في تجارب الروائيين، حيث تبني الروايات التالية على نجاح تجربة أولى، دون أن تبلغ مستواها.
تسير الرواية على نهج الكثير من الروايات التاريخية التي تميل إلى "أسطرة" الشخصية التي يتم تناولها، ربما لأن الاختيار
يمثل في الأصل تعبيرا عن الميل النفسي والفكري.
وهي في هذا الجانب لا تختلف عن "قواعد العشق الأربعون" للتركية أليف شافاق، عن سيرة جلال الدين الرومي، ولا عن "موت صغير" للسعودي محمد حسن علوان، عن سيرة ابن عربي، وكلاهما رائعتان للأمانة.
الحق أن "قمر حرّان" لا تختلف في مستواها عن الروايتين، مع فارق أن الشخصية هنا تبدو إشكالية في اتجاه مغاير تماما، وعلى النقيض من الشخصيتين الأخريين.
هناك يعلو شأن "التصوّف العرفاني"، وهنا يحضر النهج الآخر (الكتاب والسنّة، بفهم سلف الأمّة)، كما يقول التعبير السائد في توصيف السلفية.
لم يكن ابن تيمية عالٍما تقليديا، بل شخصا مُجدّدا وموسوعيا و"مشتبكا" بالكامل مع واقعه المحيط، وفق التعبير المحدث.
من هنا ما زالت شخصيته تثير المعارك الفكرية والسياسية، وحيث يحيل إليه البعض نهج "التطرّف" الذي عرفته الساحة الإسلامية في العقود الأخيرة، فيما تعثر له (للمفارقة) على قدر معتبر من الإنصاف في كتابات غربية، فضلا عن محبيه ومقلّديه في الإطار الإسلامي.
يحضر في الرواية بُعدان مهمّان.
الأولى هي السيرة الذاتية والتاريخية لكلا الشخصيتين (الشيخ والسلطان)، وما رافقها وشهدته مراحل حياتها من صراعات، فيما تتلخص الثانية في جدلية بالغة الأهمية تتمثل في علاقة العالم بالسلطان، وحيث سجّل ابن تيمية فرادة بين حالتين متناقضتين (الاعتزال الكامل للحكام، والتماهي الكامل معهم)، حيث اقترب من السلطان لكنه بقي مستقل التفكير والنهج، مترفّعا بالكامل عن المكاسب الشخصية.
توقفت، وقد يتوقف كثيرون عند اختيارات الكاتب (الفكرية) من جوانب شخصية موسوعية مثل ابن تيمية، وهي اختيارات تمنح مادة لمن يرونه مرجعا لـ"التشدّد"، كما قد يتوقف آخرون عند "الأسطرة" المبالغ فيها (عبقرية بلا حدود مع كرامات)، لكن ذلك لا يقلل من شأن ما تمنحك إياه الرواية من متعة في القراءة وإطلالة على تجربة فريدة لعالِم فريد (لتلميذه الأشهر "ابن القيم" حضوره في السياق أيضا)، مع تجربة سلطان له خصوصية كبيرة أيضا، والأهم لمرحلة بالغة الحساسية من تاريخنا الإسلامي (656 هجرية 742 هجرية)، شهدت أحداثا كبيرة ومثيرة، يكفي أن يكون من بينها سقوط عاصمة الخلافة بغداد، وما تلاها من محاولات استعادة للذات والحضور.
الخلاصة أنها رواية جميلة وتستحق القراءة. رواية تمنحك سياحة متميزة في عبق التاريخ وإشكاليات مرحلة حساسة، مع قراءة لجدلية مهمّة كانت وستبقى (العلماء والسلاطين)، وكل ذلك عبر لغة جميلة وآليات سرد تجنبّك الملل، وتنقلك من مشهد إلى آخر، كما لو كنت تشاهد دراما تاريخية تلفزيونية أو سينمائية.
ياسر الزعاترة
١٦/٣/٢٠٢٤