الاثنين، 5 فبراير 2018

الصلاة على الرجل يرحمكم الله


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
نحسبك يا أبي والله حسيبك ولا نزكي على الله أحدا فأنت الفقير إليه وهو الغني عنك
الصلاة على الرجل يرحمكم الله ....



نداء مؤذن الحرم النبوي للصلاة على الميت، سمعته للمرة الأولى يوم أخذنا الوالد رحمه الله لأداء أول عمرة لي في الصف الخامس الابتدائي، وتمر بيَ الأيام عمرة بعد عمرة وحج، أستجيب لهذا النداء، أقف بعد كل صلاة أصلي على الميت،  ليكون هذا الميت وهذا الرجل في نهاية المطاف ... أبي.
 آه ثم آه ... آه يا أبت لو رأيتني وأنا المسجّى واقفا أصلي عليك، وأنت الشامخ في أكفانك، آه يا أبت لو رأيتني وأنا أسمع الإمام يرتل فجر يوم الجمعة " فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ".
كنتَ تأخذنا صغارا إلى الروضة الشريفة، توصينا أن نسجد في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث لامست جبهتة الشريفة البقعة الطاهرة، وحيث قُبضت روحك خلف المحراب مباشرة، ملبيا نداء الحبيب "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها" ، وبفضل الله استطعتَ أن تموت بالمدينة، بل في الحرم، بل في الروضة، وخلف المحراب، في الركعة الثانية من صلاة الضحى بعد عدة ساعات من وصولك من عمان، منطلقا إلى الحرم النبوي، مخبرا بُنَيَّتك الحبيبة ... أنك لن تعود، لن تعود لأنه لم يبق لك إلا صلاة قيام وفريضة فجر وسنة ضحى وختام مسك لقيا الرحمن بعد بشرى الرسول لك في المنام.
كيف لي أن أسقط أمام جثمانك وأنت الجبل الأشم، كيف لي أن أنهار باكيا وأنت صاحب الدمعة العزيزة، كيف لي ... وكيف لي وأنا وريثك أبي، كيف لي أن أخذلك في يوم بر ووفاء، فلتفتك بي الدموع ما شاءت، ولتفعل بجسدي ما يحلو لها، فإن على إثرك حابسها، ولن تكون إلا كدموعك أبدا ... عزيزة.
الصلاة على الميت أربع تكبيرات
يقرأ الأمام في الأولى الفاتحة " الحمد لله رب العالمين ......."
الحمد لله أن أنعم الله عليَّ بمثلك أبي، رفعت ذكرنا بين الناس حيا، وأبيت إلا أن تفعل ذلك ميتا، فالناس في عزائك أبي يُقدمون التهاني لا التعازي، نعيش في عزائك أيام فرح لا  ترح.
الحمد لله إذ ربيتنا على ظلال سيد تفسيرا وفكرا، وأنشأتنا على وحي مصطفى صادق الرافعي أدبا ولغة، نلتفُّ حولك صغارا، نطوف ب"أفراح الروح" ونطربُ ب "أخي أنت حر وراء السدود"، نستمتع بقصة "السمكة" و"مالك بن دينار"، تأخذ بيدي الغضة في عتمة الليل وبرد الشتاء إلى صلاة الفجر في المسجد، نعود سويا في ذمة الله ورعايته.
الحمد لله إذ تأخذ ورعا من يدي القلم قائلا : هذا قلم الجمعية العلمية الملكية - حيث عملك - فلا تكتب به. وتناولني قلمك الخاص لأكتب به.
الحمد لله إذ عشنا معك أصعب أيامنا المادية يوم سعيت في حاجة الناس، ويوم اشتغلت في العمل العام، فقد كنت تنفق عليه لا ينفق عليك، وكان لك منه المغارم دون المغانم.
" ......... صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ "

وبعد التكبيرة الثانية
يقرأ الصلاة الإبراهمية " اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت ..... "
اللهم صلى وسلم وبارك عليك يا حبيبي يا رسول إذ يُحدث عنك أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه فقَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ : إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ . قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَسٌ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا . فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ : ( يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ ، قَالَ : فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ : مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ ؛ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ ."
وأحسبك أبي كنت تُطيقها، وأحسبها جواب سؤال آلاف المُعزين : ما هي الخبيئة التي أوصلته محراب رسول الله ليجود بنفسه هناك ؟ عشت معك خمسين عاما لا أذكر أنك حملت ضغينة على أحد، حتى على من بالغ في الإساءة لك.
لكنها لم تكن خبيئة ولم تكن سرا، بل كانت خلقا يوميا ونهج حياة .... والله حسيبك أبي والله حسيبك.

وفي التكبيرة الثالثة
يدعو للميت " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ .... "
أي والله يا أبت ... قد أُكرمتَ نزلا، ووسعتَ مُدخلا، وأي نزل أكرم من جوار الحبيب المصطفى والصديق وعمر وعثمان والصحابة، وأي مُدخل أوسع من روضة من رياض الجنة تعبر منها إلى البرزخ.
وأُبدلتَ أهلا خيرا من أهلك ودارا خيرا من دارك ..... لا نزكيك على الله، نحسبك والله حسيبك.

وفي التكبيرة الرابعة
يدعو لعامة المسلمين
وقد سمعتَ أبي قرع نعالهم ولهج دعائهم مقدار ذبح جزور "اللهم ثبته عن السؤال" يكررها الأردني والفلسطيني والمغربي والمصري والسوداني والأفغاني والهندي والماليزي والأبيض والأسود والأحمر، نافسونا فيك يبتغون الأجر، يحملون نعشك يطيرون به سراعا  فوق الأكتاف، لسان حالك ... قدموني قدموني، صحتُ بهم : اتركوا لي المجرفة أهيل على وجه أبي التراب فأنا ابنه، فيأخذونها من يدي عنوة يصيحون بوجهي : أتريد أن تحرمنا الأجر.
فما حظيت من تراب قبرك إلا بثلاث حفنات بيدي " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ" في الأولى "وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ" للثانية "وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ" للثالثة.
ثم يسلم الإمام عن اليمين
سبحان الذي قهر عباده بالموت ... يفنون ويبقى نداء مسجد رسول الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
الصلاة على الرجل يرحمكم الله
ابن أبي الليث طارق التل رحمه الله
5/2/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق