لم يغمض جفني بعد وهدير نفسي التواقة إلى باريها أقض مضجعي فربما كلماتي جارحة لكن أحسب فيها حبا ورحمة

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

بين صعودين


بين صعودين



سجدة ليست كالسجدات... فوق مقام هارون عليه السلام القابع على أعلى قمة في البتراء تُسبحُ بها العلي الكبير، معلق بين السماء والأرض لا أفق يحدكَ ولا مخلوق يراك ، تشعر المعنى الحقيقي للفناء، تدرك العلاقة العكسية بين صِغَرِكَ وبين سعيك الدؤوب للقمم، سنة فطر الله الناس عليها في البحث والمغامرة وفي الصعود والترقي، نعمة إن أخْبَتَّ وسَلَّمْتَ، ونقمة إن استعليتَ وتكبرت.
ليس بالزمن الطويل من عمر الأمم والحضارات هاتيكم الخمسة عشر عاما التي مضت منذ سعيي للقمة في البتراء وفي ضانا لأجدد المحاولة مرة أخرى البارحة مع أم طارق والأولاد، فأصعد بهم ما أسميناه (صخرة العزة) - للتشابه بينها وبين صخرة العزة التي أعلن موفاسا من فوقها عهد سمبا الجديد في فلم (الملك الأسد) الشهير - ذلك الجبل الشاهق الذي يطل على مخيم الرمان في محمية ضانا، جددت باعتلائي له ثقتي بذاك الشاب الذي يعيش بداخلي رغم خمسين  مضت.
خمسون  ... تعلمت فيها التصاغر بين يدي العزيز الجبار رغم ما وضعه فيَّ من طموح وتَطَلع، أدركت فيها أن الصعود صعودان؛ صعود الأنبياء والصالحين يفنون أنفسهم ويرصفون أجسادهم للمبادئ تصعدُ على أكتافهم إلى المكانة التي أرادها الله لشرعه ودينه، وصعود المخذولين الخاسرين يدوسون المبادئ يتسلقون أكتافها ليصلوا هم، يصم آذانهم كثرة التصفيق ويعمي أبصارهم كثرة الأضواء، يحكمون ويرسمون باسم الشرع ليس لهم منه إلا رسمه، يعيبون على حكوماتهم السابقة وعلى أنظمتهم القائمة ما يمارسونه هم واقعا مُشاهدا، يخلقون الأعذار التي لم يقبلوها لخصومهم، فكل ما حُرِّم على غيرهم أجازوه لأنفسهم باسم الدين؛ ربا وزنا وشذوذا وقمارا وخمرا .... إلخ، بحج واهية يحسبون أنهم يُحسنون صنعا.
في صعودي الأول ظننت أن ليس للوصول إلا ذلك المسار وتلكم القنطرة، فأكتشف أني كلما صعدت تنازلت وكلما تنازلت صعدت ... فأعرضت، أعرضت فالله أعز من أن يُطاع بمعصيته، وهو أَجَلّ من أن يُخدع بتبرير كل موبقات الأرض تُمارس تحت اسمه،تعالى عما يبررون علوا كبيرا.
وفي صعودي الثاني ... صعدت، صعدت بثقتي بربي أنه القوي المتين وأنه أَغَير على دينه منا جميعا، نظرت من فوق (صخرة العزة) لأرى ما لم أراه في صعودي الأول، رأيت المسالك تسير بقانونها والأودية تسيل بقدرها، كل من خالف تلكم السنن العلوية ممن هم تحت فليس لهم إلا الشقاء والتعب ... ولن يصلوا وإن حلفوا وإن أقسموا
فالسلطان ليس سلطانهم ولا سلطان الأتراك
بل هو سلطان المبادئ والقيم
شاء من شاء وأبى من أبى
خاطرة من فوق صخرة العزة
محمية ضانا
22/9/2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق