لم يغمض جفني بعد وهدير نفسي التواقة إلى باريها أقض مضجعي فربما كلماتي جارحة لكن أحسب فيها حبا ورحمة

الاثنين، 23 يوليو 2018

Take it or leave it


Take it or leave it
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
نزعم أننا نملك مصائرنا، ونتفاخر بإنجازاتنا، وما نحن إلا ريشة في مهب الأقدار، تحط بنا ملايين الأسباب حيثُ شاء المُسبب عز وجل
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى *** فأولُ ما يجني عليه اجتهادُهُ
التوكل، الرضى، والدعاء، أعمال قلب تُقرُّ بها أن وراء الأسباب مسببا، وأن خلف القوانين الحاكمة مُقَنِّنا، تُخبتُ فيها بين يدي الخالق الذي لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، تُنيخُ رحالك بين يديه معترفا بالعجز المطلق أمام القدرة المُطلقة، تُسَلَّمُ أن الأسباب الذاتية فيك؛ وأن الأسباب التي مُلِّكتها؛ إنما هي محض مخلوقات لله عز وجل، جعلها تحت تصرفك مدة من زمن يبتليك بها لينظر هل تكفر أم تكون من الشاكرين.
إن انتظام الكون الدقيق رغم اللا محصور من أفلاكه ونجومه، ورغم اللامنظور من خلاياه ومكوناته، ورغم اللامحدود من أُممه وعوالمه، مضبوطٌ بقوانين حاكمة وأسباب غَلَّابه، من تركها كُسر وفشل، ومن عاندها كان حاله " كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ" ولو بقي الدهر كله باسطا يده فلن يرتوي، ولو بقيت الأمم تتمنى على الله الأماني إلى يوم الدين وتدعوا بالنصر فلن تنتصر.
ليس ما سبق محل خلاف، إنما الكلام هنا عن طغيان النفس إذا استغنت، وعن جبروت المُلك إذا حكم، "  قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ "، إن هذا العناد هو من قاد الأمم إلى الهلاك وذهب بالحضارات نحو الأُفول، ولن يجدي معها التسليم للمسبب إذا فاتها المناص "حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ".
إن الأمة الآن تعيش أشد حالات تخبطها مذ بعثها الله بالرسالة الخاتمة رحمة للعالمين، ففريق توكل وقعد، وفريق آمن بالأسباب دون المُسبب، فلا هذا أنجز ولا ذاك انتصر، الأول سَلَّمَ للشرع وقوانينه وآمن بالقدر وأحكامه ثم بسط يديه إلى الماء ليبلغ فاه وترك الأسباب، والثاني أعرض عن الشرع وحدوده، وكفر بالقدر وأحكامه وأخذ بالأسباب دون المسبب، ولم يترك جحر ضب للآخر إلا ودخله، ربما الأول حفظ دينه، لكنه على الأكيد ضَيَّع دنياه وقبع في ذيل الأمم المهزومة، والثاني فرح ببعض إنجاز دنيوي كسبه على حساب دينه وإيمانه.
فلا يُفاخِرنَّ على الأمة بتقواه  تقيٌ عاجز، ولا يُزاوِدَنَّ عليها من بَدَّلَ دين الله لأجل مُكتسب هنا أو مقعد حكم هناك، إنما هو شرع متكامل، ما لله فيه لله وما لقيصر فيه لله، دين ودنيا، عمارة أرض وإيمان قلب، نصر وعزة، أخذ بها الأولون فحكموا الأرض بالعدل وعمروها بالأمانة.
"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"
Take it or leave it

 23/7/2018

السبت، 7 يوليو 2018

طارق طبيبا


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
طارق طبيبا
كان ذلك عام 1988 يوم لبستُ (الروب الأبيض) بالتواطؤ مع طالب الطب حينها والصديق المقرب الدكتور محمد الشروف، في عملية تحايل كبرى لتجاوز إجراءات (معتقل ألكتراز) لدخول مستشفى الجامعة، من أجل زيارة مريض في غير موعد الزيارة، فقد كانت العقلية العرفية تحكم المستشفى تلكم الأيام، وربما بقيت على ما هي عليه الآن، مترجمة حال العرب المنهزمين إن وقعت بيد أحدهم سلطة، كحال كنترول الباص الذي يتحكم بجَدِّك السابع، إذ وطئت رجلك أراضي مملكة كوستره السائر على أربع.
لم يرق لي كثيرا ذاك الروب الأبيض، أكاد أقول للحرس : أنا المريب خذوني، أعبر  مع محمد الشروف من الباب الخلفي الخاص بطلبة الطب، فأنا طالب الهندسة الميكانيكية الذي اعتاد على (الروب الكحلي) في مشاغل الهندسة وتقارير المشرف (أبو لبن) أطال الله في عمره، فما لبثت بعد العبور أن نزعته عن نفسي مرددا قول ابن خلدون :
” واعلم أن الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله واستقامة في فكره، لأن براهينها كلها بينة الانتظام جلية الترتيب، لا يكاد الغلط يدخل أقيستها لترتيبها وانتظامها، فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ وينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهيع. وقد زعموا أنه كان مكتوباً على باب أفلاطون: “من لم يكن مهندساً، فلا يدخلن منزلنا”. وكان شيوخنا رحمهم الله يقولون: “ممارسة علم الهندسة للفكر، بمثابة الصابون للثوب الذي يغسل منه الأقذار وينقيه من الأوضار والأدران”.
مرت الأيام وتزوّجت بالمهندسة الصناعية أم طارق، وأكملت دراسة الدبلوم العالي في الهندسة الصناعية، فتهذبت أخلاقي الميكانيكية قليلا، وبدأت أنظر للروب الأبيض نظرة مختلفة (خاصة بعد المغامرات العاطفية في مستشفى الجامعة تحت تأثير عقار البيثدين الواردة في مقالي "زهو الخسارة" ) ، وتولدت لدي رغبة متسامية كلما رأيت طلاب الطب يروحون ويجيئون بذلك اللباس الأبيض الملائكي؛ أثناء زياراتي لمستشفى الجامعة مجاراة  لمُتطلبات تقدم السن  ومرور الأيام، وأملا فسيحا في أن أرى طارق الطالب في المدرسة حينها بهذا الروب الأبيض المُتلألئ.
اجتاز طارق امتحانات الثانوية العامة، فكتبت فيه أولى منشوراتي اليتيمة حينها على الفيسبوك بتاريخ  6/8/2012  أعيد تذكيرهُ بها وقد أصبح اليوم في  5/7/2018 طبيبا بعد ست  سنوات قضاها في كلية الطب في الجامعة الأردنية وفي مستشفاها العتيد، وكان  نص ما بثثته له :
"أي بُني طارق
اعلم أن الفضل لله وحده إذ حصلت على معدل 97.6 في الثانوية العامة، واجعل شكر نعمة الله عليك؛ بأن تجعله وحده هدفك في الحياة، وليكن كتاب الله الذي تحفظه هاديك على الطريق، فأنت يا بُني في زمن الدّخن، يُصدَّق فيه الكاذب ويُكذَّب فيه الصادق، فاستعصم بالكتاب والسنة، وانطلق في دراستك الجامعية بهمة الرجال الأقوياء، فإنما تؤخذ الدنيا غلابا، ولا ترضى دون الثريا هدفا، فقد أوشك الفجر أن ينبلج، ورايات الحق يسابق بعضها بعضا نحو القدس، أسأل الله أن يجعلك من الفرسان الذي يجوسون خلال ديارها.
أي بُني
واعلم أن أُمّك من أكبر نعم الله عليك؛ إذ ربتك صغيرا وعلمتك كبيرا، فهي أحق بهذا الإنجاز منك، فاحفظ ودها واذكر فضلها.
 ورفع الله قدرك في الدنيا والآخرة يا قرة عين والديك"
أما اليوم فأقول لك
مبارك دكتور طارق، فقد اقتحمت العقبة، وكنت طبيبا لقلوبنا قبل أن تكون طبيبا لأبداننا وأجسامنا.
أسأل الله أن ييسر لك زوجة صالحة تليقُ أنتَ بها.
 فما أظنها إلا أمتن منك دينا ... وأنت الشاب المتدين.
 وأخالها أحسن منك خلقا ... وأنت الخلوق الطيب.
 وستكونَ إن شاء الله من بيت حسب وفضل ... وأنت حفيد المُتوفَى في روضة رسول الله وسميّهُ.
ولعلنا نراكما  مُتوشَّحينَ بالبياض قريبا 
إن شاء الله
 السابق فضله المُسبغ نعمه
5/7/2018