لم يغمض جفني بعد وهدير نفسي التواقة إلى باريها أقض مضجعي فربما كلماتي جارحة لكن أحسب فيها حبا ورحمة

السبت، 7 يوليو 2018

طارق طبيبا


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
طارق طبيبا
كان ذلك عام 1988 يوم لبستُ (الروب الأبيض) بالتواطؤ مع طالب الطب حينها والصديق المقرب الدكتور محمد الشروف، في عملية تحايل كبرى لتجاوز إجراءات (معتقل ألكتراز) لدخول مستشفى الجامعة، من أجل زيارة مريض في غير موعد الزيارة، فقد كانت العقلية العرفية تحكم المستشفى تلكم الأيام، وربما بقيت على ما هي عليه الآن، مترجمة حال العرب المنهزمين إن وقعت بيد أحدهم سلطة، كحال كنترول الباص الذي يتحكم بجَدِّك السابع، إذ وطئت رجلك أراضي مملكة كوستره السائر على أربع.
لم يرق لي كثيرا ذاك الروب الأبيض، أكاد أقول للحرس : أنا المريب خذوني، أعبر  مع محمد الشروف من الباب الخلفي الخاص بطلبة الطب، فأنا طالب الهندسة الميكانيكية الذي اعتاد على (الروب الكحلي) في مشاغل الهندسة وتقارير المشرف (أبو لبن) أطال الله في عمره، فما لبثت بعد العبور أن نزعته عن نفسي مرددا قول ابن خلدون :
” واعلم أن الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله واستقامة في فكره، لأن براهينها كلها بينة الانتظام جلية الترتيب، لا يكاد الغلط يدخل أقيستها لترتيبها وانتظامها، فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ وينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهيع. وقد زعموا أنه كان مكتوباً على باب أفلاطون: “من لم يكن مهندساً، فلا يدخلن منزلنا”. وكان شيوخنا رحمهم الله يقولون: “ممارسة علم الهندسة للفكر، بمثابة الصابون للثوب الذي يغسل منه الأقذار وينقيه من الأوضار والأدران”.
مرت الأيام وتزوّجت بالمهندسة الصناعية أم طارق، وأكملت دراسة الدبلوم العالي في الهندسة الصناعية، فتهذبت أخلاقي الميكانيكية قليلا، وبدأت أنظر للروب الأبيض نظرة مختلفة (خاصة بعد المغامرات العاطفية في مستشفى الجامعة تحت تأثير عقار البيثدين الواردة في مقالي "زهو الخسارة" ) ، وتولدت لدي رغبة متسامية كلما رأيت طلاب الطب يروحون ويجيئون بذلك اللباس الأبيض الملائكي؛ أثناء زياراتي لمستشفى الجامعة مجاراة  لمُتطلبات تقدم السن  ومرور الأيام، وأملا فسيحا في أن أرى طارق الطالب في المدرسة حينها بهذا الروب الأبيض المُتلألئ.
اجتاز طارق امتحانات الثانوية العامة، فكتبت فيه أولى منشوراتي اليتيمة حينها على الفيسبوك بتاريخ  6/8/2012  أعيد تذكيرهُ بها وقد أصبح اليوم في  5/7/2018 طبيبا بعد ست  سنوات قضاها في كلية الطب في الجامعة الأردنية وفي مستشفاها العتيد، وكان  نص ما بثثته له :
"أي بُني طارق
اعلم أن الفضل لله وحده إذ حصلت على معدل 97.6 في الثانوية العامة، واجعل شكر نعمة الله عليك؛ بأن تجعله وحده هدفك في الحياة، وليكن كتاب الله الذي تحفظه هاديك على الطريق، فأنت يا بُني في زمن الدّخن، يُصدَّق فيه الكاذب ويُكذَّب فيه الصادق، فاستعصم بالكتاب والسنة، وانطلق في دراستك الجامعية بهمة الرجال الأقوياء، فإنما تؤخذ الدنيا غلابا، ولا ترضى دون الثريا هدفا، فقد أوشك الفجر أن ينبلج، ورايات الحق يسابق بعضها بعضا نحو القدس، أسأل الله أن يجعلك من الفرسان الذي يجوسون خلال ديارها.
أي بُني
واعلم أن أُمّك من أكبر نعم الله عليك؛ إذ ربتك صغيرا وعلمتك كبيرا، فهي أحق بهذا الإنجاز منك، فاحفظ ودها واذكر فضلها.
 ورفع الله قدرك في الدنيا والآخرة يا قرة عين والديك"
أما اليوم فأقول لك
مبارك دكتور طارق، فقد اقتحمت العقبة، وكنت طبيبا لقلوبنا قبل أن تكون طبيبا لأبداننا وأجسامنا.
أسأل الله أن ييسر لك زوجة صالحة تليقُ أنتَ بها.
 فما أظنها إلا أمتن منك دينا ... وأنت الشاب المتدين.
 وأخالها أحسن منك خلقا ... وأنت الخلوق الطيب.
 وستكونَ إن شاء الله من بيت حسب وفضل ... وأنت حفيد المُتوفَى في روضة رسول الله وسميّهُ.
ولعلنا نراكما  مُتوشَّحينَ بالبياض قريبا 
إن شاء الله
 السابق فضله المُسبغ نعمه
5/7/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق