الأربعاء، 8 أغسطس 2018

الكبش الأقرن


الكبش الأقرن
ما أسهل أن تَخطَّ الكُتبَ بالكلمات، وما أهون أن تَصُمَّ الآذانَ بالخطب، فالكلام في زمن الهزيمة ليس عليه من رقيب ولا ضريبة،  إلا إن كان كلاما عن سُبل الغلبة وأسبابها، مئات المُنَظِّرين ينسابون أمام أنظاركَ كل يوم، يتقيَّؤون عليكَ معاركهم مع طواحين الهواء، يسرحون بكَ مع أفلاطون في مُدنهم الفاضلة، يحسبهم السامعُ فتحوا المدائنَ ومَصَّروا الأمصار، وإذا ما هاعت هيعةٌ فلا تحسُ منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا.
يزعم الناس أنهم يحبون الله ورسوله، فيعرضهم الله على نوره الكاشف فينكشفوا، ويبتلي أخبارهم فيُفتضحوا
 آلله أحب إليهم من أنفسهم ؟؟
 أم شرع رسوله وهديه أولى من مصالحهم ومغانمهم ؟؟
 علم الله ما في قلوبهم قبل خلقهم، إنما أرادَ أن يُعَّرفَ عبادَهُ بهم، ويُرتِّبَ درجاتهم في الفانية قبل الباقية، حتى يكون كلٌ وما صَدَّقَهُ عمله ... أم يقولون على الله ما لا يفعلون، ويُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، وهو أعلم بمن اتقى.
وفي غفلة عن هذه المعاني السامقة، وفي غمرة يومياتك السادرة الرتيبة، يأتيك النور الكاشف، من حيثُ لا تحتسب، ومن أوهن المنافذ يتسلل، ربما يكرر الله فيه مع عباده الآخرين ابتلاءات الأولين، ابتلاء آدم وإبليس، وقد هداك النجدين ووضع أمامك الخيارين، هو حَظُّكَ من الأمانة التي عجزت عن حملها السماوات والأرض والجبال وحملتها أنت، تتمنى حينها لو كنتَ ترابا، أو أنك لم تكن ذاك المخلوق المُكرَّمَ ب (القدرة على الاختيار) لسان حالك؛ يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا، وأنَّى لك ذاك، فقد سالت الأقدار بحظك من الامتحان، وتدفقت المكوناتُ متناهيةُ الصغرِ من لدن اللطيفِ الباطنِ الذي ليس دونه شيء، القائمُ على كل نفسٍ بما كسبت، تدفقَ الأسباب الغلَّابة، لا تترك أمةً إلا وابتلتها، ولا عبدا إلا ومسَّتهُ؛ بشوكة يُشاكها، أو إسماعيل من دمه ولحمه يذبحُهُ، قرابين تُقَدَمُ أو تُؤَخَرُ، منها السمين ومنها الهزيل، فتُقُبِّلَ من أحدهما ولم يُتَقَبَّل من الآخر، وكثيرٌ منهم يولُّون الدبر.
ربما غُفِرَ لهم لو أنهم عَضُّوا على أصل شجرة، أو اعترفوا بضعفهم، وربما تجاوز عنهم الرحمن لو  أقرُّوا أنهم كانوا يكذبون على الناس وعلى أنفسهم، أما أن يخرجوا من المعمعة مُستكبرين مُبدِّلين مُحرِّفين، تراهم يُزحزحون الحق عن مساره، محرفين الكلم عن مواضعه، مُزكِّين أنفسهم مُبررين سقوطهم؛ بتبديل ما ثبت من الوحي ليوائم حالهم، لابسين ثوب الراعي وهم الذئاب، متوشحين النصر وهم المهزومون
 فأولى لهم ... ثم أولى لهم.
ولن يدرك حال هؤلاء إلا من اجتاز القنطرة، وحدَّ سكين إبراهيم يقتطع به لحمَهُ ودمَهُ، وبين يدي النور الكاشف يُجاري الكائنات تسبيحا وتسليما، فاعلا ما يُؤمر، راجما الوسواس الخنَّاس، صاغرا بين يدي الجبار الظاهر الذي ليس فوقه شيء، معترفا أن لا قبل له بحمل الأمانة إلا بمدد منه ومعونة
ثم يُقدم قربانه وقد صَدَّق الرؤيا
"فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ"
8/8/2018


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق