السبت، 4 يناير 2020

مزرعة الخنازير

مزرعة الخنازير
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
دَبَّ فيَّ الدينُ مرةً وحدة وقررت الذهاب إلى الحج، نسأل الله الإخلاص، بس بصفتي دائما أحمل السلم بالعرض لا يمكن لحجي أو عمرتي أن تكون عادية بل يجب أن تكون مميزة، وين سرحتو، مميزة لا تعني حجا مميزا (خمس نجوم) تُصلي فيه الفجر في الحافلة بعد شروق الشمس من أجل تجنب زحمة الحجيج أو تأدية المناسك بغير وقتها لنفس السبب، لا .. لا .. مميز عندي تعني شيئا آخر تماما، فأخوكم مغامر بالفطرة، وقد تذكرت فجر اليوم بعد استعراض سريع للفيس بوك قصة حدثت مع نسيبي الحالي وصديقي القديم ونحن في كلية الهندسة يوم ألتقيت به على باب مسجد الفيحاء، كان مذهولا من قصة سمعها من إمام المسجد الصوفي، حيث أخبره أنه وعشرات العُبَّاد قرروا الحج مشيا على الأقدام وفي منتصف الطريق إلى مكة تعرض لهم قطاع طرق نهبوهم وحفروا لهم حفرا وطمروهم بها باستثناء رؤوسهم وتركوهم للموت عطشا في الصحراء (طبعا لحد الآن أن مش فاهم ليش الحرامية غَلَّبوا حالهم بحفر  عشرات الحفر) ثم بعد فترة جاءت مجموعة من الذئاب وبدل أن تلتهم رؤوسهم الجاهزة للأكل دون مقاومة، حدثت الكرامات وأخذت الذئاب بلحس رؤوسهم والتحسيس عليها (يبدو أن محتوى الرؤوس لم يغر الذئاب بأكلها) وتَرَكَتهُم وذهبت، ثم استفاق أصحاب الكرامات هؤلاء وقد وجدوا أنفسهم يطوفون حول الكعبة فأتموا حجهم ونسكهم وعادوا إلى الديار (بالطبع مشيا).
للعلم فالقصة حقيقية (والله) وليست من تأليفي وإذا مش مصدقين اسألوا نسيبي، وبما أني رأيت سابقا في طريقي إلى العقبة بعض الحجاج يسيرون مشيا ويجرُّون وراءهم عربة صغيرة ويرفعون راية خضراء صوفية في طريقم إلى مكة، فقد قررت التصوف وترك كل الجماعات والأحزاب خلفي والحج مشيا بانتظار الكرامات الخارقة التي تنتظرني على الطريق، ولم تُفلح كل محاولات أم طارق وابنتي فاطمة في منعي من تحقيق هدفي النبيل وغايتي العليا ووجهتي الواضحة (الجح إلى مكة المكرمة ماشيا) تركتهم على مشارف الصحراء غير آبه بِجُثُوِّهنَّ على ركبهنَّ يرجونني أن أحج زي العالم والناس في باص يسير على الطريق العام دون مخاطرٍ نحو  الأرض المقدسة.
طبعا الطريق إلى مكة يحتاج إلى شهر تقريبا، وزادي في عربتي التي أجرها خلفي يكفي  لأسبوع واحد فقط، بس أخوكم صاحب الرؤية الثاقبة والهمة العالية ينتظر الكرامات التي لا بُدَّ لها من التنزل على من يحج ماشيا، مضى الأسبوع وانتهى الزاد وأنا في منتصف الصحراء، أخذت أسعى بين جبلين علّ ماء يتدفق تحت أرجلي دون جدوى، وفجأة حدثت الكرامة ووجدت خلف الجبل عين ماء أقمت عندها عدة أيام قبل أن أكتشف وأنا أشرب منها ذات مساء أن هناك خنزيرا بريا يشرب معي من نفس العين، فجفل هو وجفلت أنا، ابتعدت عنه وابتعد عني وكل ينظر للآخر على أنه وجبة دسمة نزلت عليه من السماء، وفي لحظة المفاجأة هذه استحضرت كل خبرتي من أيام مخيمات الكشافة في أحراش دبين مع مجموعة خالد بن الوليد الكشفية عن طرق التعامل مع الخنازير البرية، فقد كنا نسمع أثناء الليل صوت طرق على الصاج يتردد في جبال دبين، لم نكن نعرف سببه حتى أخبرنا أحد سكان المنطقة أن المزارعين كانوا يفعلون ذلك من أجل تخويف وطرد الخنازير البرية حتى لا تتلف مزارعهم، فأخذت بطرق كِيْلَة الماء (كأس معدني) على الصخر علّ هذا الخنزير  يخاف ويهرب، لكن جوعه جعل الضرورات عنده تبيح المحظورات، وبينما نحن ندور حول العين يحجز بيننا الماء تذكرت أن قادة الكشافة أخبروني أن التعري أمام الضباع يُخيفها، فتعريت أملا أن تجدي هذه الطريقة مع الخنازير  نفعا فكلهم حيوانات،لكن يبدو  أن ذلك زاد شراهته وقد رأى اللحم الأبيض والعظم، لم يبق لدي إلا وسيلة واحدة حيث أُخبرنا في دروس الكشافة أن الخنازير تسير بخط مستقيم ولا تستطيع الإلتفاف بسهولة، فابتعدت عن عين الماء ووقفت أمام شجرة صغيرة متشابكة الأغصان وتركت الخنزير يركض نحوي بخط مستقيم وقبل أن يصل إليّ بمتر واحد قفزت جانبا ولم يستطيع المسكين الإلتفاف ف(خَشَّ) في الشجرة وعلق بأغصانها فتناولت سكيني وذبحته على سنة الله ورسوله.
أمضيت أسبوعا وأنا آكل من لحم الخنزير مضطرا، وكلما فكرت بإكمال رحلتي إلى وجهتي المحددة مكة المكرمة تذكرت عناء الطريق فخفت وترددت حتى فاتني الحج، قررت البقاء للموسم القادم وبما أن هدفي محدد وبوصلتي واضحة (مكة المكرمة) وأنا مضطر لأكل لحم الخنزير فقد أمضيت عامي أصطاد الخنازير ، ثم فكرت خارج الصندوق ولمعت في ذهني فكرة اصطياد خنزير وخنزيرة وترك الطبيعة البشرية (عفوا الحيوانية) تأخذ مسارها في بقاء النوع، فأخذت الخنازير تتكاثر في الحظيرة التي سيَّجتُها من أغصان الشجر والحجر، وكلما تذكرت الحج ومكة غلبني الحزن على الذين كنت أطعمهم اضطرارا من لحم خنازير مزرعتي في طريقهم إلى الحج مشيا، فمن لأصحاب الكرامات الذين يحجون مشيا إن أنا تركتهم للموت في الصحراء جوعا وعطشا.
ومع مرور الوقت فتحت مطعما، أسميته (مطعم لحم الخنزير للمضطرين من الحجاج والعابرين)، أقدم فيه وجبات ستيك خنزير، وبرغر خنزير، وهابي ميل خنزير للأطفال، كلاوي خنزير، خصاوي خنزير ... إلخ، وفي المواسم أصبحت أفرش الموائدة الكبيرة لكل من ترك الطريق العام وسار في طريق الكرامات، ولم ألتفت للتشويش الذي كان يُحدثة البعض أن أكل لحم الخنزير حرام  وحاججتهم بالقرآن والسنة "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " وكنت أرد على مزاوداتهم:
 أين كنتم يوم كدت أهلك بالصحراء جوعا؟ 
لماذا تركتم الأغنياء الذين يأكلون الحرام وسلطتم قردكم على قمحاتي؟
 دعوني وشأني فأنا مضطر وأنتم تجلسون تحت المكيفات !
ألا تذكرون يوم كنت أحج وأعتمر على الطريق العام زي العالم والناس؟
ولا يفتي حاج على الطريق العام لحاج في الصحراء !
أليست بوصلتي واضحة وهدفي نبيل (مكة المكرمة)؟
هل شققتم عن قلبي وعرفتم نيتي؟
 تُنَصِّبُونَ أنفسكم آلهة تحكم على الناس!
 ولم تُفلح كل رسائل أم طارق وفاطمة والأولاد يستجدوني بها العودة إلى الطريق،إلى أن جاء ذلك اليوم الأسود النحس، وبينما أنا على رأس مائدة يحضرها جمٌّ غفير من المضطرين الحجاج، خرج لي من بين الجموع شاب نزق (لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب) وأحرجني على الملأ قائلا:
يا حمار لقد جُعل رزق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تحت ظل رمحه والطريق العام لا يبعد عنك سوى عشرة أميال.
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - :   أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم)

ليث التل
4/1/2020

هناك تعليق واحد: