بسم الله
والصلاة والسلام على رسول الله
نيويورك
الزانية
خلف
البحار تَزيَّنت بفحشها وفاخرت بجمالها، تطاولت
إليها أعناق المدن والحواضر، يرومون بها المجد والسؤدد، وعند أعتاب قدميها قدّم
الزناة قرابينهم، عقائد حُوربت وشعوب أُبيدت وخزائن نُهبت، سجون مُلئت ومحاكم
عُقدت وطغاة حكمت، لأجل ليلة في مخدعها أو نظرة إلى مفاتنها، حملت في أحشائها
نجاسات الظَلَمَة ونُطَف الطغاة، فوضعت على شواطئها خطايا العالم ونما بها شقاء
البشر وشرور الحضارات، كفرا وظلما، ربا وزنا وشذوذا، خُوِّفت بأيدي البشر ، وأُنذرت
بالأعاصير والكوارث، لم تأبه ولم تلتفت، فأُمِّر
فيها مُترفيها فحق عليها القول، كما حق
على عاد الأولى " وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا
مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا
تَدْمِيرًا" وما ذلك على الله بعزيز ... إنها الزانية نيويورك
أما بعد
إننا كدُولٍ
مهزومة تسري علينا سنن الأمم المغلوبة ننبهر بالغالب ونقلد المنتصر، نفقد الثقة
بأنفسنا ويتلاشى أملنا بالنصر ويتبخر تطلعنا
للنهوض، وتسري في أوصالنا عقيدة الانتظار، انتظار المعجزات وانتظار المهدي، نصبح كالأنعام نتبع كل
ناعق يدغدغ عواطفنا، نحلم بالنصر كل يوم، نعافس النساء والأطفال لا نعدو ذلك إلا
إلى مصالحنا المادية وتجارتنا الدنيوية، يخترع لنا شيوخ على أبواب جهنم دين الدّعة
والراحة يُريحون به ضمائرهم وضمائرنا.
إن فقد
التوازن في التفكير هو من أول مظاهر هذه الحالة التي تمر بها الأمة اليوم، وبتنا بين طرح مادي جاف لا يؤمن بنصر الله
والأخذ بسننه، يُنَظِّرُ بالماديات والأسباب ولا يأخذ بها، وبين طرف متواكل يكتفي
بالدعاء والتغني بالأمجاد ومدح الطغاة، ينتظر النصر من السماء "كَبَاسِطِ
كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ" اجتمعت
لدى الطرفين كبيرة ترك أسباب الغلبة وسنن النصر.
إن الله
عز وجل وعدنا وقال إن "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ"، ووعد
بإجابة دعاء المظلومين، وهو يحب عباده المؤمنين وأعدّ لهم الجنان، ويكره عباده
الكافرين وأعدّ لهم النيران، وجعل أسباب الدنيا "سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ"
من أخذ بها غَلَب ومن تركها غُلِب، ولم يكلف المؤمنين إلا وسعهم وأمرهم أن يعدوا
ما استطاعوا "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن
رِّبَاطِ الْخَيْلِ" فإن هم فعلوا نصرهم وأيّدهم.
إن ريح
الأحزاب يوم الخندق كانت من تأييد الله لرسوله بعد أن أخذ بالأسباب وحفر الخندق
وأعد العدة، لم تقتل الريح المشركين، وكانت بنظرهم مجرد عاصفة صحراوية وظاهرة
طبيعية أجبرتهم على العودة إلى مكة بكامل عدتهم وعتادهم، ولم ينتصر عليهم نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم إلا عندما أعد العدة وغزا مكة فكان الفتح المبين، وكذلك
موسى عليه السلام أيّده الله بآية إغراق فرعون في اليم عندما صبر هو وقومه على
الإيمان، وعندما لم يستكمل اليهود ذلك بالأخذ بأسباب النصر كما فعل الصحابة الكرام مع نبيهم، ورفضوا طاعة موسى
في جهاد الجبابرة الذين يحكمون الأرض المقدسة، حكم الله عليهم بالتيه في سيناء 40
سنة.
والأمة
اليوم تقف على مفترق طريق خطير، إما أن تستكمل الأسباب كما فعل الصحابة، وتستثمر
هذا الذي أحدثه كورونا في عدوهم فينتصروا، وإما أن يقولوا كما قال اليهود لنبيهم
" فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا
قَاعِدُونَ".
إن عزل
ما يحدث اليوم من آية عظيمة بانتشار
فايروس لا يرى بالعين المجردة عن خالق الكون ومسبب أسبابه وسامع دعاء المظلومين
وناصر عباده المؤمنين المجاهدين، إنما هو مادية جافة، أقل ما يُقال فيها أنها ضلال
وزندقة، فالله عز وجل عَلِمَ ولم ينس جهاد عباد له في فلسطين والعراق وفي سوريا وأفغانستان،
ولم يغب عنه دعاة غُيبوا في غياهب السجون، واستمع لكلمة حق دفع صاحبها حياته ثمن
لها، ورأى ما حدث للمستضعفين في مينمار والإيغور، واطلع على ظلم الأمم الغالبة
للأمم المغلوبة، ولم تظلم أمريكا المسلمين وتسرق ثرواتهم وتُسلِّم مقدساتهم لليهود
وتفتك بالصالحين منهم وتقرب إليها الطغاة والظالمين إلا بعلم الله وإذنه، ولو أراد
هزيمتهم بكلمة كن لكانت الهزيمة، إنما هي السنن الغلابة يُؤيّد الله من يأخذ بها
بما شاء وكيف شاء، ليس لأحد من العباد أن يُعقب على فعله أو قوله وهو العزيز
الحكيم.
ربما
يكون الكورنا فايروسا عابرا، وربما إنذارا أوليا، وربما هو الغضب على الكافرين،
وربما رحمة بالمؤمنين ... إلخ، فكفى الماديين جحودا وكفى المؤمنين تواكلا، كفاكم
استهزاء بمظلومين رفعوا أكفهم إلى السماء فاستجاب الله لهم، يفرحون بمصاب عدوهم
الذي أذاقهم الويلات، وكفاكم سخرية بمن نظر إلى هذه الجائحة كعقاب من السماء،
تحققت أسبابه فَحُقَّت عواقبه، وكفاكم انتظارا للمهدي ومحاربة كل من رفع راية
الأخذ بأسباب الغلبة والنصر.
إن الغرب
عموما وأمريكا خصوصا هم أسوء من حكم البشرية منذ فجرها، نشروا الكفر والرذيلة وأشاعوا
الظلم والفقر، ارتقت شعوبهم وتقدمت على جماجم الأمم الأخرى، وكما تقدموا علينا بكل
مجال، فهم اليوم يتقدمون علينا بهذه الجائحة، انتشارا في بلادهم وموتا في أنفسهم
ودمارا في اقتصادهم وتفككا لتحالفاتهم، يتصارعون على ضروريات الحياة بعد أن ذهبت
كمالياتها، كما فعلوا بنا من قبل، ثم اتهمونا بالتخلف والرجعية، وهم اليوم يذوقون
من نفس الكأس الذي شربناه بما فعلوه بنا، وبما كسبته أيدينا من تركنا لديننا وشرع
ربنا وهدي نبينا وأخذنا بزبالة أفكار البشر من اشتراكية واهمة وليبرالية ساقطة ورأسمالية
جشعة وديمقراطية كاذبة، واستسلامنا بعد ذلك للدعة والراحة.
أن
أمريكا أم الشرور والخبائث تتصدر قائمة
المصابين بهذا المرض الخبيث، وعاصمة اقتصادها وحضارتها التي فاخرت بها العالم
وناظرت بها الأمم "نيويورك" تتصدر القائمة بلا منازع، فولاية نيويورك
فيها ما يقارب من 173 ألف أصابة لغاية كتابة هذه الكلمات، وأصبحت مدينة نيويورك تنقل جثث قتلاها بسيارت حفظ الخضار واللحوم،
جزاء وفاقا لما فعلته بالعالم، ابتداء من إلقاء القنابل النووية على هوروشيما
ونكازاكي وانتهاء بإلقاء اليورانيوم المنضب على الموصل والفسفور الأبيض على
الباغوز مرورا بما هو أشد وأنكى في فيتنام
والصومال وأفغانستان وفلسطين.
إننا
اليوم نشمت بها ونفرح لمصابها وندعوا عليها كما دعا نبينا محمد بنقل وباء المدينة
المنورة إلى الجحفة حيث يسكن اليهود، عن عائشة رضي الله عنها قالت " لما قدم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فجئت رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ،
وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة" متفق عليه. ولسنا
أرحم بعدونا من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، ونتمنى للمسلمين في تلك البلاد وفي
كل مكان الرحمة والعافية، فالطاعون في حقهم رحمة كما في الحديث" عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا
يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً
لِلْمُؤْمِنينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ فِي الطَّاعُونِ، فَيَمْكُثُ فِي
بَلَدِهِ صَابرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ
اللهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ" رواه البخاري، ولن
يكون ملايين المسلمين -وابني منهم- الذين يسكنون
الغرب ولم تبلغ نسبتهم 1% من مليار ونصف مسلم يعانون من ظلم أمريكا والغرب وإجرامه
مانعا أمامنا من الدعوة عليهم بالهلاك والثبور ، وسنفرح بمصابهم بعيدا عن إنسانية
كاذبة، لم نجدها لا في فلسطين ولا لبنان ولا العراق ولا سوريا ولا الصومال ولا
أفغانستان ولا الصين ولا مينمار ولا الفلبين ولا في أي مكان على وجه الأرض يوم كنا
نحن الضحية.
فأبشري نيويورك
الزانية فقد شابهت وصف بابل في سفر الرؤيا
" وصرخ بشدة بصوت عظيم قائلا: سقطت ! سقطت بابل العظيمة!
وصارت مسكنا لشياطين، ومحرسًا لكل روح نجس، ومحرسًا لكل طائر نجس وممقوت، لانه من
خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم، وملوك الأرض زنوا معها، وتجار الأرض استغنوا من
وفرة نعيمها"
وقد حان وقت رجمك وزوال ظلك المعتم عن الأرض إن
نحن اتبعنا فعل الصحابة مع نبينا بعد ريح الأحزاب ففتحوا مكة، وإلا فَتِيه جديد في
الصحراء كبني إسرائيل.
ليث التل
11/4/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق