بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
ملاحظة: المقال غير مستفز إلا في آخر جملة، فبإمكانك المحافظة
على صيامك وقراءة المقال والمغادرة قبلها سالما غانما.
"إحدى الدلائل الأولى التي تُشير إلى وجود عمليات
رسمية لإدارة الجرحى جائت من فيالق الإمبراطورية الرومانية. فعند تقدم أعمار
القادة الرومانيين (السينتوريون Centurion) وعدم قدرتهم على القتال، كانت تُعطى لهم مهام تنظيم نقل الجرحى
من ساحة المعركة وتوفير شكل من أشكال الرعاية للمصابين" ويكيبيديا.
بصفتي من المقاتلين العِتاق في العمل الإسلامي "سينتوريون"
وقد تقدم بي العمر كالقادة الرومان الوارد ذكرهم أعلاه، فقد أوكلت لنفسي مهام
"الباراميدك" يعني فني طوارئ أو رجل إسعاف، سمّها ماشئت، خاصة أني صاحب
خبرة في هذا المجال، فقد أمضيت شطرا لا بأس به من شبابي وأنا أُطفئ حرائق العمل
اليومية، كما أنني بالكشافة حضرت ما يكفي من دورات الإسعاف الأولي، مكّنتني
والشباب من التصرف في الحالات الطارئة في المخيمات الكشفية، من علاج قرصة عقرب هنا
أو تضميد جرح هناك، لكن بصراحة فقد وقفنا عاجزين عن حل مشكلة أحد الشباب الذي
استنجى بإبريق الكاز ذات صباح بدل إبريق
الماء، وكل الذي استطعنا فعله هو مسك أحد المشاغبين الذي لحق بالمسكين وبيده عود
ثقاب، والمسكين (أصبح طبيبا الآن) يولّي الدبر -تحديدا- هربا وهو يولول ويصيح.
لعل أحد أهم وأشهر حالات الإسعاف التي قمت بها خلال فترة
العمل الجامعي كانت خارج الحرم الجامعي، يوم كنت عائدا بسيارتي (بالأحرى سيارة
والدي) بيجو 303 موديل 1974 البيضاء الشهيرة، سيارة لها ألف قصة وقصة، فبعد أن
تخلى عنها الوالد رحمه الله واشترى لنفسه سيارة مرسيدس 200 بيضاء وترك لي العجوز البيجو
أصبحت أطارد ويطارد عليها الاتجاه الإسلامي في الجامعة، كانت تشتغل يوما وتتعطل
بالمقابل شهرا، أذكر أنها تعطلت شهرا كاملا أمام بيت الفاضل عماد الخطيب (وهو نفس
الشخص -على ما أذكر- الذي كان معي في حالة الإسعاف الشهيرة، هسه بنحكي عنها اصبروا
شوي)، حتى ضج سكان بيادر وادي السير منها وقد علاها الغبار وأصبحت الغبرة التي
تعلوها لوحة (انستغرام) يكتب العشاق عليها قصائدهم ويرسم الحَبِّيبَة على زجاجها الأسهم التي اخترقت قلوبهم، فاضطررت لإحضار
الونش للقيام بالمهمة المعهودة، وقد وصل الأمر بهذه البيجو إلى تدخل الأمن أحيانا
للإشتباه بأمرها، حيث أني وكالعادة كنت ذاهبا لتوصيل أحد الشباب بعد منتصف الليل
عن طريق وسط البلد، فتعلطت السيارة هناك أمام مطعم القدس، فما كان من حضرتي إلا أن
اجتهدت وقمت بتعشيق السيارة إلى مكان آمن، وصلت إلى شارع صغير خالٍ، ركنت السيارة
هناك بانتظار شهر أو بضع شهر من أجل إحضار الونش، لأتفاجأ أن الأمن العام يبحث عن الشخص الذي ركن سيارة مشبوهة في منتصف
سوق السكر منذ ثلاثة أيام، حضرتي طبعا،
أكلت بهدلة من الشرطي الذي بررت له "أني ظننت الشارع الصغير شارعا مهجورا"
فرد عليّ: "هو في حدا ما بعرف سوق السكر!!"، فأجبته ببرودة أعصاب: "أنا".
عودة إلى حالة الإسعاف الشهيرة مع السيد عماد الخطيب والتي
تمت بحدود الساعة الواحدة ليلا، وبعد العودة من اجتماع كنا نخطط فيه لوضع النشاط الطلابي في
الجامعة الأردنية ب(جيبتنا الصغيرة) بالسيطرة والتحكم لمصلحة الوطن والمواطن طبعا، وعلى شارع
المدينة الطبية أوقفتنا دورية شرطة، أصابنا الذعر واعتقدنا أن الشرطة مسكتنا بتهمة
العمل الطلابي، قبل أن نكتشف أن الشرطي أوقف سيارة مسرعة قبلنا، واكتشف أن فيها سيدة
في حالة مخاض، ولسوء حظ الشرطي وحظ الزوج وحظّي المعتر وحظ عماد فقد تعطلت سيارة
الزوج، فطلب منا الشرطي أن نوصل المرأة الحامل وأمها أو حماتها (الله أعلم) إلى
المستشفى، تخربط كياني، هل أفرح لأننا نجونا من الاعتقال (حيث كنا مصابين بهوس أننا
تحت المطاردة والمراقبةالدائمة، واكتشفنا لاحقا أن الأمر كان دون ذلك بكثير) أم أقلق
لحالة الإسعاف التي نقوم بها ؟ بس مش هون القصة! المشكلة أنه أثناء إسراعنا لمستشفى
المدينة الطبية صاحت الحماة: * "فَقْسَتْ مَيِّة الراس" لم ندري ما هو
المطلوب منا، هل نتدخل أم نتوقف أم نسرع إلى المستشفى، الله لا يضعكم محلنا، وصلنا
المستشفى، ولم ندري ما حصل للمولود بعدها؟ وهل أسموه (ليث) أم (عماد) تخليدا لهذا الحدث
الجلل، فهو مدين لنا أن رأسه سقط في مستشفى ولم يسقط في الشارع العام عند دورية
الشرطة أو أنه لم يُولد في أرضية سيارة بيجو بيضاء 303 موديل 1974 التي فقس بها.
كانت سيارة البيجو واحدة من أسطول يعمل في كلية الهندسة
نصرة للإسلام والمسلمين، فهناك سيارة المرسيدس الخضراء التي كان صاحبها من أمهر
وأخطر من قاد سيارة في الأردن حسب علمي، وسيارة الفولكس (الكركعة) الزرقاء التي
كان صاحبها لثقل وزنه وكبر حجمه (هو الآن مهندس معماري رشيق نوعا ما) يضطر لفتح شباك
السيارة لإخراج شقه الأيسر منها حتى يسعه كرسي الشفير ولا يفغص من هو على يمينه،
أما سيارة الرينو الذهبية التي اشتريتها من صاحبها بعدما تزوجت، فقد كان سائقها من
الشباب الرايق والهادي، ورغم أنه كان يعطيني إيها عند الحاجة لنقل تصاوير كتب أو
تنسيق أنشطة ما، إلا أنه منعي بعد أن أكتشف أن لا أعرف كيف أضع الغيار على الرفيرس،
فسيارته حديثة فيها كبسة بخلاف البيجو التي تأخذ بها عصاة الجير بكامل قوتك إلى
أقصى اليمن ثم تنزلها للأسفل ... وهات تركب معك.
كنا نجوب الأردن من جنوبه إلى شماله ونلتقى بالطلاب في
الاتجاه الإسلامي واتحادات الطلبة، نؤدي رسالة سامية تهدف إلى إخراج العباد من عبادة
العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وقبل أن نسعف
الأبدان كنا نسعى للارتقاء بالعقول والأرواح ننشر الهداية والخير، كان الولاء للدين
لا للأشخاص، وكان المرجع، قال الله وقال رسوله، لا قال فلان أو قال علان، كنا نغضب
إذا انتُهكت حرمة الدين لا حرمة العشيرة أو الحزب.
تقدم بنا العمر وما عادت الأيام هي الأيام، لم يكن عندنا
في تلك الأيام قوات تدخل سريع تبرر كل حدث
وفرق طوارئ تُسعف كل رمز، أصبحتُ اليوم مثل "السينتوريون" وما عدّتُ أجوب
البلاد طولا وعرضا ولا أحرث الجامعة شمالا وجنوبا، أتخذت لنفسي بحكم الواقع وبمطلب
الشرع مهام الإسعاف الأولي كالرومان القدماء، فاقتصرت مهمتي والأفاضل في بعضها على
(رأس فقست ميّته) نوصله إلى البيمارَسْتان، قبل أن يستفحل خطره ويستشري شره، في
نشر إلحاد هنا وترويج رذيلة هناك أو تكذيب معجزة في القرآن هنا وسخرية من حديث
الملأ الأعلى في البخاري هناك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*"ميّة الراس" هو اصطلاح شعبي للسائل
الأمينوسي الذي يخرج من الرحم أثناء الولادة
ليث التل
الرابع من رمضان
27/4/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق