مقال بمناسبة تخرج ابني من كلية الهندسة
"عماد الدين مهندسا"
كانت صَفيّةُ بنت عبد المطّلب تكثر من ضرب ابنها الزبير
بن العوام رضي الله عنهما، فعاتبها عمه نوفل بن خويلد وقال: «ما هكذا يُضرب الولد؛
إنك لتضريبنه ضَرْب مُبْغضة» فقالت:
مَنْ
قَالَ إِنِّي أُبْغضه فقد كـذب وَإِنَّمَا
أَضْرِبُهُ لِكَـي يَلَبْ
وَيَهْزِمَ الجَيْشَ وَيَأْتِـي بَالسَّلَبْ وَلا يَكُن لِمَالِهِ
خَبْأٌ مُخَبْ
وكانت تتركه وهو صغير لوحده في بيت خرب عدة ليال مبررة
ذلك بأنها تصنع منه رجلا شجاعا لا يخاف وقد كان رضي الله عنه كما أرادت عندما كبر،
يطلب قادة الفتح الإسلامي في الشام ومصر مددا من الخليفة عمر بن الخطاب فيرسل إليهم
الزبير بن العوام ويقول لهم: هذا بألف فارس.
قصص وحكايا كانت تسردها عليّ أم طارق لتبرر غيابها عمّا
كان يحدث مع ابني عماد كلّما سألتها " أين كنتِ؟" عندما يسرد علينا عماد
قصص الاضطهاد والتنمر التي تعرّض لها من قبل إخوانه الأكبر منه عمرا والأشرس
قتالا، يغرونه بالدخول إلى غرفتهم وهو صغير ويحشرونه بالزاوية ويطفئوا الأنوار ويهربوا
من الغرفة بعد إغلاق الباب ويبقونه في العتمة، وزادوا على ذلك أن أحضروا يدا حمراء
مضيئة يشرعونها في وجهه إذا همّ بالخروج من الغرفة، مثل أفلام الرعب تماما، وكانوا
يهددونه أنه إن أخبر أمه بالحادثة فسيمنعونه من اللعب معهم، وهكذا دواليك، ولم
نعرف بالقصص إلا متأخرا، وحجة أم طارق أن الأمر تمّ على عينها لأنها تريد أن تصنع
منه الزبير بن العوام (طبعا خرط).
الخرط تبرير أم طارق، فقد كانت غائبة كما كنت أنا غائبا
عمّا تعرض له المسكين الصغير، أمّا عماد فقد كبر وأصبح واحدا من العصابة يتنمّر
كما يتنمرون ويستطيل على البشر كما يستطيلون ويسبح في خزانات الجيران كما يسبحون،
كل يوم شكوى وكل يوم مراجعة لإدارة المدرسة.
والمحصلة أنه أصبح رجلا كاملا، يسافر ويغامر، يدرب
ويتدرب، يشتغل ويُشغِّل وهو ما زال طالبا، صُقلت شخصيته بفضل الله وحده، وهو اليوم
مهندس (قد الدنيا)، بس مش عارف ليش الناس بتحكي عن المهندس إنه (قد الدنيا) ولا
تقول ذلك عن الطبيب أو المدرس، علما أن المهندسين هذه الأيام شحاذين (قد الدنيا)
وزيادة حبتين، المهم؛ فالمدافعة والتنمر، والحارة والشارع، كما المدرسة والمسجد
ضرورات يجب على الأطفال المرور بها، فكما علّمته المدرسة الشعر وكان شاعرها في يوم تخرّجه منها، وكما
علمه المسجد الصلاة والالتزام، فقد علمته الحارة المدافعة والمطالبة، وتربى في غرف
أشباح إخوانه وعفاريتهم على الشجاعة والإقدام، وهو اليوم وأخيرا قد تخرج من جامعة العلوم والتكنولوجيا
مهندسا ميكانيكيا على خطى والده المهندس الميكانيكي (حضرتي) ووالدته المهندسة
الصناعية لبنى العقاد، متفوقا في دراسته، عازما في همّته حازما في عقيدته.
وكما يُقال
فإن "لكل امرئ من اسمه نصيب" فقد كان لعماد من اسمه نصيب، اشتغل مبكرا،
واعتمد على نفسه واعتمدنا عليه في كثير من شؤون حياتنا، وكان لاسمه سر وقصة، حين
قررنا أن نسميه (يحيى)، ولكن يبدو أن اسم الإنسان من الأمور التي يُسَيَّر عليها ولا
يُخَيَّر، من حيث يدري أو لا يدري كما حدث مع أختي؛ يوم اختلفت هي وزوجها على اسم
مولدتهما، أحدهما أراد اسم (جود) والآخر أراد غيره، وبينما كانا في المستشفى رأيا
طفلة صغيرة تلعب فاتفقا أن يسألاها عن اسمها ويسموا ابنتهم على اسمها، فلما سألاها
قالت اسمي (جود). فسبحان من كتب على العباد أسماءهم في اللوح المحفوظ قبل أن يكونوا
شيئا مذكورا، شو بدنا بطولة السالفة، ولدت أم طارق في المستشفى الإسلامي، وذهبتُ
أنا إلى مكتب التمريض لأخذ تبليغ الولادة، فسألني الممرض "ماذا تريد تسمية
المولود" فقلت له (يحيى) فقال لي لماذا لا تسميه (عماد) تيمنا بالشهيد عماد عوض
الله، وقد كانت حادثة استشهاد الأخوين عادل عوض الله وعماد عوض الله من قادة كتائب
القسام قد تمت في نفس الليلة.
عدت إلى
أم طارق شبه المُخَدَّرة من آثار البنج، واقترحت عليها الاسم الجديد، فوافقت بشرط
أن يكون الاسم (عماد الدين) وليس عماد فقط، (لازمة الشروط عند النساء قبل تمرير أي
قرار) فوافقتُ ووافقتْ، ذهبت مسرعا لتسجيل الاسم في دائرة الأحوال المدنية قبل أن
تصحو أم طارق من خدرها وتغيّر رأيها، لأنها ليست بنفس درجة (ثوريتي وحماسي) التي
جعلتني أوافق على اقتراح الممرض فورا لحبي الشديد لكتائب عز الدين قسام يوم كانت
تصنع أسلحتها بنفسها أو تغنمها من عدوها أو تشتريها من السوق السوداء، بدناش ندخل
في السياسية هسه، خلينا بالولد صار مهندس (قد الدنيا) ونريد زغاريد وتهنئة اجتماعية
مش جدالات سياسية وحوارات طرمة. طبعا لحقت حالي وسجّلت الاسم بدائرة الأحوال، لأنه
أم طارق بعد ما صحيت من البنج أنكرت كل شيء (شكلها كانت فتحاوية وأنا مش عارف).
أصبح
الولد رجلا وأصبح الطالب مهندسا والحمد لله، وقاعدين الآن نبحث له عن عروس، أهم
شرط فيها أنْ لا تكون نسويّة، لا نسوية عاديّة ولا نسويّة إسلامية راكبة راسها، لأنه
الزلمة ما عندو مزح مع النسويّات ويكرهم على المسبحة ومتابع لــ (جوردن بيترسن)
على تويتر، يريدها أنثى طيبة خلوقة متدينة متعلمة بنت أصل وفصل، تحترم زوجها وتقرّ
بأن القوامة ليست موضعا للمنافسة أو المناكفة، ولا تقوم باستعراض صورها على وسائل
التواصل.
بس
المشكلة إنه الباش مهندس ما بدو يتجوز، ومش عاجبه قصة الزبير بن العوام رضي الله
عنه الذي تزوج من النساء الكثير، وعامل فيها شيخ الإسلام ابن تيمية الذي لم يتزوج
قط، قال يريد أن يبني نفسه
عصامي يخزي العين ....
داير مع
المتنبي شعرا والهندسة عملا
وهات
قطبها
ليث التل
19/6/2021
بمناسبة
تخرج عماد من كلية الهندسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق