وين ماخذيّني ... على المقبرة؟
سألت بعد أن انتشلوها من تحت الحطام "وين ماخذيّني ... على المقبرة؟" فردّ عليها رجال شعث غبر بصوت واحد "أنت عايشة يا حبيبتي لا تخافي"، لم تصدقهم ... ولماذا تصدقهم، فقد رأت كل من حولها تحت الركام، رأت صديقاتها ورأت أخواتها، رأت أمها ورأت خالاتها وعماتها، رأت أحبابها وحبيباتها، رأتهم جميعا، سلموا عليها، حضونها وقبّلوها، ثم جاءت ركائب من نور ومعهم حمّالات من حرير حملتهم جميعا ... وغادروا، صاحت بهم "أين تذهبون؟" فأجابتها أمها "إلى المقبرة يا حبيبتي ومنها إلى السماء" السماء التي لم يغب عنها المشهد، فقالت "خذيني معك يا ماما" فردت عليها "لم يحن أوانك بعد يا مهجة عيني" فردت "بل أنا الموت يا أمي، أنا الفناء يا ماما، لقد سكن بكل جوارحي، رافقني منذ رأيت الدنيا يا أمي. لقد أصبحت مآسينا والموت فنونا ولوحات تُرافقنا يا ماما، وها أنا مثلكم تحت الحطام فخذوني".
مدت يدها إلى أمها لتأخذها معها فأمسكت بها يد مغبرة خشنة حفرت الأنقاض بأظافرها، حملوها ووضعوها على الحمّالة، ورغم أن ركائبهم مغبرة محطمة بالكاد تقوى على حملها غير تلك التي من نور وحرير سألت " وين ماخذيني ... على المقبرة" فرد عليها الحجر والشجر والحطام والتراب والهواء والنبات والحيوان وكل شيء إلا البشر : نعم يا صغيرتي، سيأخذونك إلى مقبرة الإنسانية، سيأخذونك إلى مقبرة الجيوش العربية، سيأخذونك إلى مقبرة موسم الترفيه في عاصمة جزيرة محمد، اختاري يا صغيرتي إلى أين ستذهبين، إلى أنظمة الخيانة أم إلى ميليشيات لم ترحم أخواتك الصغار في بلاد الشام أم إلى مقبرة العزة والإباء أم تفضلين مقابر العقيدة والتوحيد، كل الخيارات مفتوحة يا صغيرتي، فكلها مقابر يسكنها أحياء أو شبه أحياء، ولكن لا عليك يا حبيبتي، فالسماء تراقب وتشاهد وتشهد، وما هي إلى طفرة في الزمان والمكان ثم يأتيك "عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" وما مفارقتك لأحبابك إلا لتشهدي هذا اليوم.
ثم بعد ذلك السماء يا صغيرتي ثم ماما والجنة يا حبيبتي.
ليث التل
3/11/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق