لم يغمض جفني بعد وهدير نفسي التواقة إلى باريها أقض مضجعي فربما كلماتي جارحة لكن أحسب فيها حبا ورحمة

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2024

مراجعة الأديبة زينب السعود لرواية قمر حران

 جامع الورد في " قمر حران "



قراءة في رواية ( قمر حران الشيخ والسلطان) نشرت اليوم في عدد مجلة النيل والفرات المصرية.
ليث التل
*************
الكتابة الروائية تشبه السير في حقل من الألغام مقولة لا زالت تثبت نفسها في كثير من الأعمال . وما زال كثير من الروائيين يصرون على خوض معركة الكتابة الملغومة إلى نهايتها فبعض ساحات المعارك الأدبية كانت على مر التاريخ الثقافي العربي محببة لدى المتلقين بما تثيره فيهم من تساؤلات وما تشعله من إضاءات ناقدة وكاشفة وليست معارك الرافعي مع طه حسين والعقاد بمثال بعيد رغم تباعد الزمن.
وفي زمن تكاد النصوص الروائية العربية تتشابه بل ربما شاب بعضها شبهة التقليد الواضح في المحتوى والأسلوب ، ينبري كاتب يرى أن مهمته تشبه مهمة جامع الورد الذي يقتطف من أحداث الحياة وخفايا النفس ما يزين به صفحات حكاياته. فاختار كاتبنا الأديب الأردني ليث التل أن يزين صفحات الرواية الجديدة بالكتابة عن سيرة شخصية تاريخية لها من الأوزان أثقلها ولها من الحضور حظ كبير من القبول كما لها حظ من نقيضه. تلك هي شخصية ابن تيمية رحمه الله.
( قمر حران الشيخ والسلطان ) عنوان رواية الكاتب الأردني ليث التل المهندس الذي أغوته الكتابة كما أغوت قبله أطباء ومحامين وكثير غيرهم ، فاختار لروايته التي جاءت بعد أخوات لها أن تعود بنا إلى تاريخ مضى وشخصيات ربما لا نعرف عنها اكثر مما يتداوله محب أو كاره ، من إطلاق حكم هنا أو فتوى هناك. في روايته يقوم ليث التل بإعادة سرد لحقبة تاريخية هامة من تاريخنا العربي والإسلامي من خلال تناوله لسيرة ابن تيمية الإمام الذي غادر موطنه حرّان في بلاد ما بين النهرين ميمما شطر دمشق ، من خلال رؤية روائية وازنة وبامتلاك كبير لأدوات الحكاية الأدبية التي لا تجعل من ترجمة الشخصية التاريخية سببا للخروج على جمالية التناول الأدبي البارع . يقول ليث التل في مقدمة الرواية أن الكاتب ينازع : " فيما يسطره الحقيقة المطلقة والخيال المحلق ، فإن هو أحسن الجمع بينهما فلم يغير حقيقة ما جرى وانطلق منها إلى الحكاية والقصة التي تروي ما يشفي غليل القارئ ويشبع فضوله ويوصل إليه الحدث بتفاصيله يكون بذلك أدى ما عليه".
تسير رواية (قمر حران الشيخ والسلطان ) بحمولتها الثقيلة والثمينة في خطين متوازيين هما :سيرة ابن تيمية وحياة السلطان الناصر بن قلاوون ، على أن هذا التوازي ينكسر أحيانا كثيرة في متن الرواية لتتشابك الخطوط وتتداخل الحكاية. وبين هذين الخطين تتراءى لنا قصة تاريخ الغزو المغولي لبلاد الشام والممالك الصليبية ومعركة مرج الصُّفَّر قرب دمشق . أما حران فهي مكان ولادة ونشأة ابن تيمية التي غادرها مرغما وهو صبي بسبب هجمة المغول عليها ولكن القاهرة التي استقبلته بعد ذلك بزمن كان لها الأثر الكبير في شهرته وسطوع نجمه . يسرد ليث التل ببراعة واقتدار لغوي ترجمة تاريخية لأعلام من حقبة تاريخية حرجة ، ويظهر الجهد الذي يبذله الكاتب ليحافظ على صدق الواقعة التاريخية بأسلوب أدبي بعيدا عن التكلف ومناطحة اللغة المعجمية جليا كلما سارت بنا صفحات الرواية قدما . فقد تصاعد السرد الذي حمله تارة الرواي العليم وتارة رواة آخرون متدرجا من الأسفل إلى الأعلى أو من البداية إلى النهاية معتمدا على وقائع التاريخ الموثقة التي لم يقترب منها قلم الكاتب بالتغيير، وأوردها كما هي في كتبها التاريخية المعتبرة . لكن براعته الأدبية تجلت في إدارة الحوارات الروائية التي لا تتنافى مع الوقائع التاريخية ، فأظهرها قلم ليث التل في صورة أدبية جميلة أوهمتنا حقا أنها جزء من التاريخ الذي يرويه. والسؤال الذي يدور في ذهني : هل كتب ليث التل رواية ( قمر حران الشيخ والسلطان ) من أجل أن يؤرخ لشخصيات وثقتها كتب التراجم والسير؟ أم أنه كان يجرب قلمه الروائي في إعادة تقديم التاريخ بثوب أدبي تتماهى فيه العناصر الفنية مع الحقيقة الثابتة في كتب التاريخ ؟ أم أن السر كله يكمن في العنوان الفرعي للرواية ( الشيخ والسلطان)؟
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق