ليث التل في ضيافة قناة المنار
ربما هذا المقال سيغضب أصدقائي أكثر مما يغضب خصومي يوم يعرفون أن قناة حزب الله الفضائية المنار استضافت العبد الفقير على شاشتها قبل أكثر من عشرين سنة بمناسبة يوم القدس العالمي في برنامج أداره عباس ناصر الذي أصبح مراسلا لقناة الجزيرة فيما بعد.
بدأت القصة أيام مراهقتي السياسية والدينية التي كانت دائما ما تخضع لقانون (المصالح المرسلة) فقد أرسلتُ لنفسي المصالح أفعل تحتها ما أشاء دون النظر إلى ما اعتبره الشرع أو ألغاه منها، أفعل ذلك بكل تقوى وخشوع واستَحضرُ النية الصادقة (فحيث المصلحة فثم شرع الله)، في أسوء استخدام يمكن أن يتوقعه قائل القاعدة السابقة ابن قيم الجوزية (على ما أذكر) فالنية الصادقة التي كانت تُغفل ضوابط الحلال والحرام كانت كافية لِلَيِّ النصوص وتسويغها أو بالأحرى تسويغ التصويت عليها.
ركبت أنا وزوجتي بكب الهايلوكس الأخضر في أول وآخر مغامرة له خارج حدود الأردن متوجها نحو دمشق من أجل تمثيل الحزب الذي كنت أنتمي إليه للمشاركة في مؤتمر شباب الأحزاب السياسية العربية تحت رعاية سيادة الرئيس بشار الأسد، معتقدا أن التكلفة ستكون رخيصة لأن الديزل رخيص، قبل أن أُفجأ بأن رسوم دخول سيارات الديزل لسوريا تبلغ 100 دولار، وكل ميزانية الرحلة كانت 150 دولار بصفتي كنت مسخم ماديا في تلك الأيام ولم تنفع كل واسطات القائمين على قاعة كبار الضيوف التي اُستُقبلنا فيها كضيوف لسيادته، دفعنا المعلوم واعتمدنا أن المؤتمر سيتكفل بالطعام والشراب والمبيت.
التقينا بالغث والسمين من الأحزاب العربية وحاضر فينا وزير الخارجية السوري فاروق الشرع وغيره من منظري البعث والقومية والمقاومة، ونُظِّمَ للمؤتمرين زيارة لمدينة القرداحة موطن الأسد الصغير بشار ومدفن الأسد الكبير حافظ، ولكني وكما تعلمون من يوم يومي ما عندي مزح، فرفضت زيارة القرداحة رغم تحذير كافة الشباب من الأحزاب الإسلامية العربية بأني في سوريا الأسد وما أدراك ما سوريا الأسد وما بزبط أن أتخلّف عن الزيارة، فعادوا هم من القرداحة وقد قرأوا الفاتحة على قبر حافظ (اعترف لي أحدهم أنه رفع يديه عند القبر ولكنه كان يلعن روح حافظ) وعدت أنا وأم طارق من دمشق بعد تناولنا طعام الغداء في مطعم البوكمال.
تعرفت هناك على شباب حزب الله ومن تلك العلاقة التي جمعتني بهم تم دعوتي لاحقا للمشاركة في قناة المنار لما رأوه مني من ثورية وحماس للمقاومة والجهاد، وهي أيضا من الأسباب التي دعت خالد مشعل لدعوتي للعمل معه في دمشق في مناسبة ثانية.
شاركت مع شباب حزب الله في مسيرة بمناسبة يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من رمضان واستمعت لكلمة حسن نصر الله وجها لوجه في ساحة من ساحات الضاحية الجنوبية وقمت بجولة في جنوب لبنان وزرت سجن الخيام الشهير بعد أن عاد لسيطرة الحزب بعد أن كان تحت سيطرة اليهود ومليشيا جيش لحد العميل لإسرائيل.
تكلمت في البرنامج الذي بُث على العالم العربي عن تقصير الجيوش العربية وجهّزت نفسي للاعتقال بمجرد دخولي مطار الملكة علياء، لأكتشف لاحقا أن قمع ودكتاتورية الشعوب أقوى وأسوء من الأجهزة الرسمية التي لم تسألني شيئا عن الزيارة، فتهم (الصهاينة العرب، الوحدة 8200، العمالة لدول الخليج، التصنيفات الحزبية، .... ) كانت من أسلحة الشعوب التي تحجبها عن الاستماع إلى وجهة النظر الأخرى والتي ربما يكون بها الحق وتكون بها النجاة، فالشعوب ما زالت وستبقى مهزومة ما لم تتوقف وتعيد النظر في تجارب عشرات السنين الماضية.
أدركت من هذه الرحلة إلى بيروت أن الأبواب ستفتح أمامي إن أنا تتبعت مواطن رضا أصحاب النفوذ المالي والسياسي والإعلامي أو أن أفعل كما فعل أحدهم في زيارته لبيروت يوم قال لأفراد من حزب الله (إن كان سب الصحابة سيحرر لنا فلسطين فأنا سأسب الصحابة معكم).
ابتعدت يوم أدركت أن قاعدة (المصالح المرسلة) المُنفلتة من ضوابط الشرع ستكون فيها الهلكة، وكان ما توقعت إذ بدأت هذه القاعدة تسوّل للكثيرين السير في هذا الدرب الذي انتهى بنا إلى أمة توالي إيران وحزب الله وأمة تعاديهما، مع أن كلا الطرفين يعادي الكيان ويسعى جاهدا لتحرير البلاد والعباد من نيره وظلمه واحتلاله، فذهب ريحنا وتفرقنا شذر مذر، ولو كان هدفنا رضا الله وتحقيق عبوديته وتوحيده والذي ينجم عنه بالضرورة تحرير البلاد لكنا أقرب إلى التحرير مما نحن عليه الآن، حيث بتنا بين احتلال صهيوني غاصب مجرم ارتكب من المجازر ما الله به عليم وبين احتلال إيراني رافضي قائم لأربع دول عربية والخامسة (الأردن) على الطريق يحتل الأرض ويغيّر الدين.
إن الضياع والضلال لا يأتي دفعة واحدة إنما يتدرج كما يُطوّع إبليس للمؤمن المعصية، فهي عملية تطويع طويلة الأمد تبدأ بزيارات واستضافات وإعلام وتنتهي بتحالفات وولاءات، قطعت تواصلي بعدها مع الأصدقاء من حزب الله واستمعت لنصيحة حماي فاروق العقاد رحمه الله المتخصص بالتاريخ يوم كان يقول لي "إن هؤلاء الشيعة الرافضة ليسوا من ملة الإسلام فقد درست عقائدهم وتاريخهم وهم ما بين كفر وزندقة أو إجرام وقتل" لم أقتنع بكلامه إلا بعد فوات الأوان يوم دخل الروافض بغداد على الدبابة الأمريكية بعد أن تحالفوا معها في احتلال أفغانستان ثم تمدد تحالفهم إلى سوريا التي ارتكب فيها (أصدقائي) من حزب الله ما يعجز القلم عن وصفه من قتل واغتصاب وتهجير وتعذيب وكفر وهرطقة ولطم وزندقة، وإن كانت تقيتهم نجحت معي قيل أكثر من عشرين سنة فهي الآن لا تنطلي إلا على فئة صادقة ونيتها حسنة ولكنها اتبعت شيوخا أضلوها السبيل, ورغم أن الأحداث أثبتت أن التحالف مع إيران لم يأت إلا بشرّ إلا إن القدوات والرموز ما زالوا يسوغون ويبررون.
إن حجة الله البالغة على عباده سهلة وميسرة يفهمها العامي والمتعلم إلا من أبى، فما عليك أيها الحبيب المخالف إلا أن تأخذ كل فتاوى الشيوخ وتبريرات الرموز وتستبدل فيها كلمة (إسرائيل) بكلمة (إيران)، وكلمة (فلسطين) ب(سوريا).
وستكتشف حينها أن الشيوخ يُجيزون للسوريين التحالف مع إسرائيل من أجل النجاة بدينهم وأنفسهم وأعراضهم من الروافض، فتقاطعت مصلحة السوريين وإسرائيل في الفتك بحلف إيران لأنه يخفف عنهم ما هم فيه، فقد تخلى عنهم العالم أجمع.
وبضدها تُعرف الأشياء.
كما ستكتشف أن الشيوخ يجيزون وصف نتنياهو -لعنه الله- بشهيد دمشق إن هو قُتل أثناء قتال الروافض في سوريا.
وهكذا دواليك ... قم باستبدال الكلمات أعلاه وستخرج بفتاوى لا يجيزها أي عاقل.
أما قصة من خطره أكبر إيران أم الكيان، فتلك ملهاة لا فائدة منها فكلاهما يحتل ويقتل ويغتصب ويتمدد.
إن منشأ المشكلة الحالية هي أننا نتعامل مع قضايا الأمة كقوميات ووطنيات متفرقة ولو توحدت جهودنا في قتال الطرفين لكنا إلى النصر ورضا الله أقرب.
كاتب هذا المقال من أشد الناس على الكيان ومن يتحالف معه، وقد نذر نفسه منذ خرج يوما على قناة المنار أن يكون منارا للحق والعدل تكفيرا عن ذنبه، كما يكفر عن ذنبه من صادق اليهود يوما ما ولو أغضب ذلك أقرب الناس إليه.
فمن أحب أن يضيف التهم المعلبة والجاهزة والكلشيهات والاتهامات بالصهينة والتطرف فليفعل فلنا بين يدي الله موعد وهو لا يخلف موعده ... وإني لمُحاجج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: سألني أحدهم عن شريط تسجيل حلقة تلفزيون المنار فأخبرته أنها كانت عندي على شريط فيديو vhc قديم وقد أتلفها أهلي خوفا عليّ يوم كنت معتقلا لدى الأجهزة المختصة لأني شاركت في مسيرة ضد معاهدة السلام مع الكيان.
ملاحظة أخرى: من كان له صداقة مع حزب الله ممن يخالفني بالآراء أرجو منه أن يطلب منهم شريط تسجيل حلقتي على تلفزيون المنار قبل أن يهدمه الكيان كما هدم على حسن البنيان.
وكتبه ليث التل
13/10/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق