لم يغمض جفني بعد وهدير نفسي التواقة إلى باريها أقض مضجعي فربما كلماتي جارحة لكن أحسب فيها حبا ورحمة

السبت، 9 ديسمبر 2017

القدس ... ثمانون عاما كلٌ يزعم الوصل وما وصل






الأمم المهزومة، تكون دائما في موضع رد الفعل، وتَئنُّ تحت ضغط إطفاء حرائقها اليومية، مما يمنعها من وضع الأهداف وتحديد المسارات واستشراف المستقبل، ويمنح ذلك عدوها الفاعل المنتصر فرصة رسم مساراتها، مُضيفا إليها هامشا ضيقا  للتحرك، لتكون خياراتها ضمن ما أراده لها، فتظن نفسها مُتَخِذةَ القرار وصاحبة الرؤية، وأين ما أمطرت قراراتها وتحركاتها فخراجها عائد إلى عدوها، وأي محاولة من داخل الأمة للتفكير السليم، أو إعادة التوصيف الحقيقي للواقع، ووضع العجلة على السكة ، تُواجه بسيل من الانتقادات والإرهاب الفكري، بحجة أن الأولوية هي إطفاء الحريق المشتعل، ومعالجة الحدث الطارئ، وبالنتيجة فلا حريقا أطفأنا ولا هدف حددنا ولا مسيرا رسمنا، وتحت عنوان القدس بوصلتنا ... أضعنا القدس وأضعنا معها أنفسنا.
يكفي المتسلق أن يعلن عن هدف جميل يدغدغ به العواطف، ثم  ليفعل ما يشاء، فالغاية عنده تبرر الوسيلة، ولا مانع أن تأكل الحرة بثدييها لتعيش، وكلما أنكر على هؤلاء مُنكِرٌ، وَبَّخُوه وذَكَّرُوه بالهدف والغاية ... أليس بوصلتهم القدس !!!  فتحت طهرها مارسوا الرذائل، وعلى قارعة الطريق إليها ... ضاجعوا الشيطان.
كم هو جميل منظر عامة الناس ينتفضون دفاعا عن القدس، وكم هو مجيد فعل أهل فلسطين في الدفاع عن المسجد الأقصى، وكم هو مؤثر تفاعل عشرات الملايين من المسلمين لا يحقرون من المعروف شيئا بكلمة هنا وتبرع هناك، وكم هو بالمقابل مثير للغثيان تمثيل السياسيين والإعلاميين، وكذب المجرمين قتلة الأطفال في سوريا واليمن والعراق وإيران، بوصلة نباحهم القدس، وبوصلة بندقيتهم بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، والحبل على الجرار.
لقد كانت قضية فلسطين قبل عقود قضية إسلامية، ثم تحولت إلى قضية عربية، وما لبثت أن تَقّزَّمت إلى قضية إقليمية تخص دول الجوار، قبل أن تُمسَخَ إلى قضية فلسطينية بحتة، سخطتها اتفاقية السلام إلى قضية (غزة أريحا أولا) ، واستفاقت الأمة عليها ... قضية شُرط ومعابر .
وبعد ذلك نغضب من قرار ترامب ! فمن الذي سيمنعه من الاعتراف بالقدس عاصمة لليهود !! بل هو غبي إن لم يفعل، وحالنا هو حالنا، فقد هبت رياح ترامب فاغتنمها، وهب رياحنا عشرات المرات، قتلنا فيها صلاح وشتمنا فيها قطز.
كانت الطامة الكبرى عندما تحولت قضية القدس من قضية دينية إلى قضية تاريخية، وإن لم نصحو ونعيد  الصراع مع إسرائيل إلى حقيقته، فإن البحث عن سند تسجيل (قوشان) فلسطين في بطون كتب التاريخ الصفراء لن يحرك أمة المليار ونصف مسلم، إنما يحركها قوله تعالى " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". وإن كان الصراع تاريخيا كما رسم لنا عدونا مساره؛ فقولوا لي بربكم، مع من وقف القرآن الكريم ؟ مع طالوت المؤمن أم مع جالوت الكافر ؟؟!!
مسكينة  القدس، ما عَزَفتْ على الأغراب لحنها، وفي خِدرها هي لم تَمَلَّ ، صوتها المُخْمَلِيُّ لؤلؤة مكنونة، ونسجُ عُرسها حريرٌ  لم يُمس، ثمانون عاما كلٌ يزعم الوصل وما وصل، ومن روحها السامقة نحتوا هُبَل، وعلى أعتابه هتكوا شرفا ونحروا أمل، وعبد، الحسين والزهراء والمهدي، بوصلتهم القدس ... وهي تلعنهم ولن تَكِلَّ،  وفارسها المُدجج بالعز  طيفٌ لم يصل،
القدس دين، ولن تعود إلا بالطهر، وعلى يد الأطهار، يجوسون الديار، فما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.
مدينة فتحها عمر لن يُدنسها لاعن عمر.
9/12/2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق