لم يغمض جفني بعد وهدير نفسي التواقة إلى باريها أقض مضجعي فربما كلماتي جارحة لكن أحسب فيها حبا ورحمة

الاثنين، 11 يونيو 2018

بواخر الخاشعين


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
بواخر الخاشعين 
عاد صغيره إلى البيت بعد رحلة مدرسية إلى مسابح المدينة، مُحدّثا أمه عن مغامراته البريئة، وعن الهدية التي أحضرها صاحبه من الكنيسة يوم الأحد، شكولاته على شكل صليب، وقد انبهر رغم حداثة سنه بالحسناوات في ملابس السباحة، وأخذ يُدرك من معاني الحسن والجمال، ما فتئت أمه تحدث والده عن خطورته وخطورة إرساله إلى مثل تلكم الأماكن.
- إن الزمن تغيّر يا أبا الفضل، وأصبح الصغار يدركون قهرا بأبصارهم ما لم ندركه طوعا بفطرتنا.
- أنت تبالغين يا أم الفضل، دعي صغيرنا يخوض تجارب الحياة ويتعلم منها.
جدل لا ينتهي بينهما مذ أرخى لابنه الحبل على الغارب، فرغم كثرة الشكوى من المدرسة إلا إنه كان دائم التبرير لأم الفضل، إن المعلمين يبالغون في حجم الضرر والتشويش الذي يحدثه ابنه في الصف مما يؤثر على تركيز الطلاب وتحصيلهم كما يزعمون، إنها ضريبة تميّز ونشاط ابنه وكما قيل (شقاوة في الصغر نجابة في الكبر).
رجل أعمال أشغلته أعماله عن إدراك القيمة الحقيقة للأشياء، وذهبت به حساباته البنكية بعيد عن معرفة الحكمة من جعل الأموال دولة بين الناس، يتبادلون بها منافعهم، ويتدافعون في تحصيلها؛ عمارة للأرض وحركة للحياة، فما عادت علاقته بالسماء كأيام صباه الخوالي، يوم كان يصلي خمسه بالمسجد خاشعا متبتلا.
- يا شيخ كيف السبيل إلى الخشوع في الصلاة، فكلما دخلت بها حضرني كل ما نسيته في أمسي ويومي ؟
- يا أبا الفضل، إنما يجتمع الذهن على اهتمامات النفس، وما لم تكن السماء غايتك، والخير مقصدك، وسماع الهدى لا الأغاني ديدنك، فلن تجد للخشوع سبيلا، وما لم يكن مشيك للمساجد - كسابق عهدك - لا مشيك في الأسواق والبورصات طريقك؛ فلن تكون صلاتك إلا طقوسا وحركات.
كلمات سمعها مرات عديدة دخلت من أُذن وخرجت من أُذن، حجته دائما أنه يسعى على رزق عياله، الذين لم ينالهم من سعيه إلا قليلا، فكل وادٍ من كنزه يتبعه واد.
- يا أبا الفضل إنه رمضان وإنها التراويح .
- الوقت ضيق يا أم الفضل.
- خذ ابنك واذهب به إلى المسجد ، فحاجته إليه حاجة الزرع إلى الري، وقد أعطب التلفاز من الفطرة ما أعطب.
متخلصا من إلحاح أم الفضل تاركا ابنه يعاقر الخلوي، يذهب وحيدا متثاقلا.
عكّر صفو انشغاله في بواخره التي سترسوا على الميناء غدا؛ صوت براءة تغرد في ضيافة الرحمن، وشوش على شروده في صلاته جلبة صغار رأوا في بيت الله روضة تقربهم من باريهم.
فما أن سلّم الإمام حتى ثارت ثائرته وثائرة جمع المانّيين على الله صلاتهم، فأحاطوا بالصغار من كل حدب وصوب.
- لقد شوشتم علينا صلاتنا وكدرتم علينا خشوعنا
 أين الآباء وأين الأجداد ؟!
أخرجوهم من مسجدكم إنهم أناس يتطهرون
ويلكم من عذاب الله ...
أتُحضرون صغاركم إلى المسجد
تالله ووالله وبالله إن عدتم ليكونن الخسف ولتكونن القيامة ...
.....
.....
وفي مكان ما ... بعد زمن ما ...
 تجادل أمٌ طفلها الغض الصغير.
- ما لي أراك يا بُني تاركا بيت الله الذي كنت تحب ؟
- لا يا ماما، إنه ليس بيت الله، بل هو بيت الأشباح أبو فلان وأبو علان ... وإني يا ماما أخاف أن يضربون.
عن شداد رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه عند قدمه ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد سجدة أطالها!! قال: فرفعت رأسي من بين الناس، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد! فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك؟ قال: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته" (رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
آثمٌ من يمنع البراءة من ضيافة الرحمن
من وحي صلاة فجر يوم 11-6-2018






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق