لم يغمض جفني بعد وهدير نفسي التواقة إلى باريها أقض مضجعي فربما كلماتي جارحة لكن أحسب فيها حبا ورحمة

الاثنين، 3 يونيو 2024

صباح مرعب في عمّان

 

صباح مرعب في عمّان

دبّ فيّ النشاط مرة واحدة وقررت العودة لممارسة رياضة المشي مع أم طارق التي ما زالت مستمرة عليها منذ مدة طويلة، بينما انقطعتُ عنها لانشغالي بأمر استدعاء قصة رسم نائب دمشق (أميرها) لدى دولة المماليك بإخراج الكلاب من دمشق لمّا كثر أذاها، ضمن طحشة من الأحداث التاريخية من القرن السابع هجري وضعتها في روايتي عن الشيخ ابن تيمية والسلطان الناصر (قمر حرّان). ولمّا طال انقطاعي عن الرياضة هددتني أم طارق أنها ستبلغ عني الجهات المختصة علّها تعتقلني فأضطر لتنزيل وزني قسرا بالجوع والكآبة، فاستجبت لها بكل رضوخ وبدأت بممارسة رياضة المشي معها منذ ثلاثة أيام في الغابة الرياضية في المدينة الرياضية في عمان رغم أني فقدت خلال الأشهر الماضية الكثير من وزني بالحمية الغذائية نظام (المجاعة الخاص بي) لا بنظام الكيتو ولا نظام أتكنز الذي يبدد فيه أصحاب الكروش  أموالهم في مراكز خاصة قبل أن يبددوا فيه أوزانهم. ورغم ذلك قلت في نفسي لا بأس بقليل من الرياضة مع أم طارق بالإضافة إلى نظام المجاعة (المثمر) فانتظمت معها  بالمشي ... مكره أخاك لا بطل.

مضت مدة من الزمن (يومين) وأنا أمشي مع أم طارق بعد صلاة الفجر مباشرة في المدينة الرياضية إلى أن جاء اليوم المشهود، اليوم الأثنين 3/6/2024 ، فقررت أن أمشي مع أم طارق في أقاصي المدينة الرياضية عند ميدان الفروسية النائي وكانت الساعة قريبا من الخامسة صباحا وقد أرخى الظلام سدوله على عمان وعلى المدينة الرياضة وجَلّلها بالرعب والخوف. قطعنا مسافة خمس دقائق عن السيارة وأنا وأم طارق نلبس السواد من أعلى الرأس حتى أخمص القدم، محسوبكم لابس بدلة رياضة أديدس سوداء كالحة وكذلك أم طارق تلبس عباءة سوداء، فتفاجأت  بنا عصابة كلاب كانت تغط في نوم عميق (والله العليم عددهم فوق عشرة كلاب) لم نرهم ولم يرونا، إنما استيقظوا على صوتي وأنا أُزاود كعادتي على أم طارق بشؤون الفكر والأدب، ونحن من طرف آخر لم نشعر بهم إلا من موجة النباح التي ارتفعت فجأة بصوت شرس يتلمظ غيظا على هذا الذي أيقظهم، وكما قالت العرب (تنغيص النوم منكدة) فقد وقع الفأس بالرأس ونكّدنا على الكلاب النائمة.

الله لا يضعكم  مكاننا فقد أصبحت الكلاب النابحة من أمامنا والسيارة من ورائنا على بعد خمس دقائق، دب الرعب بأم طارق وأرادت الركض والهرب باتجاه السيارة بينما محسوبكم دبّت فيه الشهامة والشجاعة من أجل حماية حِماهُ المتمثل بأم طارق، بالطبع لم تكن شجاعة الهجوم على الكلاب التي ستقطعني إلى قطع صغيرة، إنما شجاعة خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم انسحب في معركة مؤتة، طلبت من أم طارق عدم الركض لأن ذلك سيشجع الكلاب على الهجوم وقمنا باستدارة في جنح الظلام باتجاه السيارة وأنا أُحَدِّث أم طارق بكل رباطة جأش أن لا تخاف لأن الكلاب تشم رائحة الخوف، خمس دقائق مضت وكأنها الدهر وأنا أفكر فيها بكيفية التصرف لو أن الكلاب تيّست معها وقررت الهجوم، وصلنا السيارة  بسلام وتوجهنا من هناك إلى الغابة الرياضية التي أصبحت جرداء بعد أن قامت إدارة المدينة الرياضة بتقطيع الشجر المائل بسبب العواصف الثلجية، وزرعت بدلا منه شجرا جديدا يؤكد لك أن مقولة (زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون) خرط في خرط، فالشجر الجديد المزروع لن ينعم بظله ولا حتى أحفاد أحفادي؛ جنى بنت طارق وفاطمة بنت عبد الرحمن، لا أدري أين الحكمة في تجريد الغابة من شجرها المعمّر قبل نمو شجرها الجديد، ربما هناك معلومات زراعية لا يفقهها أمثالي من المهتمين بشؤون الهندسة والأدب.

وصلنا إلى ممشانا الجديد على نعيق الغربان التي صمّت آذاننا (على وجه هالصبح) بعد أن غابت زقزقة العصافير وهديل الحمام مع غياب شجر الغابة الرياضية، اكتشفنا أننا في منطقة نفوذ البسس،  تنفسنا الصعداء فالقطط (أخف بلى) من الكلاب، وما أن سرنا قليلا حتى اقتربت منا قطة مسخّمة هيئتها تدل أنها من طبقة دنيا لا يؤبه بها ولا يُلتفت لحالها، فما كان من أم طارق إلا أن خبطت برجلها الأرض وأصدرت صوتا (بس) أفزع القطة المسكينة فهربت من أمامنا. نظرت إلى أم طارق بكل استنكار وقلت لها: أين كانت شجاعتك يوم وقعة الكلاب قبل عشر دقائق!!

لم تأبه أم طارق لتعليقي وعيّرتني بأني كنت أخاف من الكلاب قبل عشر سنوات، ونَسِيتْ أني في ذلك اليوم الغابر تغلبت على خوفي من الكلاب يوم أنقذتها هي وابنتي فاطمة في الاستراحة المشرفة على وادي الموجب والمخصصة للسياح والتي صادف أنها كانت مليئة بالكلاب أيضا.

أعدت أم طارق إلى البيت وذهبت مبكرا إلى عملي كالعادة وتوقفت أمام الصراف الآلي للبنك الإسلامي في الجبيهة وكانت الشوارع خالية فالساعة لم تصل إلى السادسة صباحا بعد، وجدت هناك مجموعة من الشباب يجلسون على مدخل البنك بجانب الصراف الآلي ومعهم دراجة نارية يقودها سائقها بشكل دائري في منتصف الشارع وهو يقول (لبيك اللهم لبيك) بتصرف أرعن ينم عن استخفاف بشعائر الحج، خفت أن تكون المجموعة التي يبدو أنها في ختام سهرة ليلية في حالة تحشيش أو ما شابه، لكن نفسي أبت عليّ الخوف، فأخرجت من محفظتي بطاقة الصراف والشباب من أمامي والسيارة من خلفي  في موقف مشابه لوقعة الكلاب الصباحية، سحبت المبلغ المطلوب وعدت إلى السيارة ونَجَحَتْ (بفضل الله) خطة إظهار رباطة الجأش في الوقعتين (وقعة الكلاب ووقعة الحشاشين) وعدت إلى السيارة بأمان وسلام.

ما الذي كان سيحدث لو أن الشباب هاجموني وسرقوني من أمام بوابة البنك والشوارع خالية من المارة، وما الذي كان سيحدث لو أن الكلاب هاجمتني أنا وأم طارق في جنح الليل في موقع مخصص لممارسة الرياضة والمشي، أما بإمكان أمانة العاصمة الرسم بإخراج الكلاب من عمان أو على الأقل من المدينة الرياضية!! وما الذي تمتلكه دولة المماليك في دمشق كي تخرج الكلاب من دمشق قبل أكثر من سبعمائة سنة ولا تمتلكه أمانة عمان من وسائل حديثة  كي تفعل!! أم أنّ حقوق الحيوان أهم من حقوق الإنسان في ظل نظام عالمي اختلّت فيه موازين القيم وموازين العدالة!! أم أن حالة أمانة عمان لا تختلف عن حالة أمة مليار ونصف مسلم بأنظمتها وجيوشها وشعوبها عجزت عن تطهير فلسطين من كلابها الهارشة في أهلنا في غزة.

شو بدنا بطولة السالفة

عُدّتُ إلى البيت فوجدت أم طارق وقد جمعت الأولاد والأحفاد تحدثهم عن بطولاتها الصباحية في (وقعة القطط) حالها كحال أمة المليار ونصف مسلم ... نسمع جعجعة ولا نرى طحنا

والسلام

ليث التل

3/6/2024

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق