تاقت نفسه إليها، توق الطيور المُهاجرة
إلى أعشاشها، خيطٌ أثيري لا ينفك يُلازم الطيور ويُلازمهُ، يمتد لآلاف الأميال يشدُّها
إلى مسقط رأسها، وكما سيُعيده ذاك الخيط يوما، تعود الطيور بعد أن تقضي وطرها
بعيدا عن مُبتدئها ومُنتهاها، فما هجرتها إلا استراحة مسافر استظل ثم مضى، وهو مُستظلٌ
بعدُ، وما مضى.
كان الناس ينظرون الشروق، واعتاد هو مذ
أبصر، أن يُعطي الشمس ظهره كل صباح، يتسلل من بينهم تسلل مُخفي العبرات أن ينتهك أحدٌ
حرمتها، وما أن يفصله عن رق الأصدقاء بون، وعن صخب الكون شط، حتى يختلي بشجرته
التي كان يُظلها صغيرا، فأمست تُظله كبيرا، سقاها دهرا دموع عينيه، ورعاها زمنا كد
يديه، يُيَمِّمُ وجهه غربا، يجلس في حضن شجرته التي مهدتها سنون، ويَنعمُ بأُنسها
الذي نسجته شُجون.
يُطيل النظر كل صباح، علها تأتيه من يومه
أو غده، ورغم بعد الشقة، إلا أنه مدَّ أمله فسيحا في انتظارها، سَميرتهُ شجرتهُ، صَلُبَ
عودهما تناغما، وأينع عطاءهما توافقا، فظللت أوراقها المستظلين، وروى هو بماءه العابرين،
فكانا رفيقا درب وشريكا مصير.
لم يلتفت لتعدد الأراء في وصفها، وأيقن
أنها الكمال، كتمام البدر في سطوعه، هم؛ في غيهم لا يرون فيها إلا شق قمر مظلم،
ونصف كأس فارغ، فهابوها وخافوها، وبأقذع الأوصاف ذموها، امرأة سوداء ناشرة شعرها تولول، تحثو التراب على
رأسها، إلا أنه نظر إلى نصف كأسها الممتلئ، فرأى منها حسناً وبهاءً، تنشر البهجة
والسرور في قلوب محبيها ، فأحبها حب المجنون ليلاه؛ وكرهوها. أدام ذكرها؛ وتناسوها.
ورغم لهفة الانتظار وطول السهاد، هاب لقاءها، فكان بين كل انتظار صباحي وانتظار، يكد
ويتعب في تحصيل مهرها، علَّها يوم اللقاء ترضى.
وفي الموعد المضروب مُنذ الأزل، صباحا
تحت ظل شجرته، وقف مشدوه العيون شاخص البصر، لقد جاءت، آه لقد حضرت، ويل الغافلين
لقد أزفت، وغُلِّقَتْ الأبواب دون رضاها، جاءت كما في الكتب، وأقبلت في موكب مهيب
كما الحكايات
أشرقت عليه الشمس من مغربها
سجد بين يدي خالقها
وقدم مهره
خالص توحيد وحسن ظن بالله
إنه اليوم الذي لا يظلم الله فيه أحدا
إنها القيامة الكبرى
وقد أحسن لقاءها
11/1/2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق