مُنتهون من (دحش) الحقائب في الباص الذي جاء رشيقا كحبة ذرة، وعاد
مُنْتَفِشا كحبة بُشار، بعد أن اصطلى بِحَرِّ أسواق مكة المكرمة (ففرقع) بعدما لم
يترك من بضائعها شيئا إلا وَأَقَلَّهُ، مُمسِكا بزمام نفسي المُتَفَلِّتة كي لا
أرد على الفاضلة التي تَلَتْ عليَّ أمام حمولة الباص من البشر والحجر قوله تعالى
"وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ" وقوله "إِنَّهُ كَانَ لَا
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ"
مستنكرةً تحذيري من النّٓصّٓابالباكستاني الذي يكرر
المشهد نفسه مع كل باص عائد، فيحني رقبته مُتَمَسْكِنَا يَجُرُّ خلفه زوجته
الباكية،(خازقا) محفظته مُدعيا أن نقوده سقطت منها.
سكتُّ ... فأصبحتُ في مسرحية ذاك الباكستاني قاس القلب الناهي عن فعل الخير وأمسى هو الصادق المسكين، فامتلأتُ أنا بنظرات الاستنكار، وامتلأتْ جيوبه (غير المخزوقة) بالريالات.
كانت لي تجربة غنية مع مجتمع النصابين بعد زيارة مُفاجئة لبيت ختيار استدر عطف مُصلي مسجد كامل فانهالت عليه دموعهم قبل أن تنساب على جيبهِ أموالهم؛ اكتشفت فيها أن الختيار، وأرملة أخيه، والأيتام، والبيت الفارغ الذي شاهدته في الزيارة الأولى لم تكن سوى عدة النصب ... وأيّ نصب.
أصبحت بعدها أرفض دفع الكاش للفقراء، بل أطلب التنسيق مع المؤجر أو الدفع للمستشفى مباشرة ... إلخ، لم أدفع أي فلس طبعا ! لأن كل من طلبت منه الدفع بهذه الطريقة كان يولي هاربا رغم مغريات التسديد !! فتشكلت لدي نظرية ربما تكون انتهازية نوعا ما وهي (اكسب أجر بدون دفع).
ما يلبث السائل أن يمد يده حتى أعرض عليه الركوب معي بالسيارة والتوجه إلى حاجته لأقضيها له ... وهاي وجه الضيف، يهرب هو بخفي حنين وأعود أنا بالأجر.
ما حدا أحسن من حدا ... أصبحتُ صاحب نظرية مدروسة ومجربة اختصرتها بالأحرف الأولى (إِجْبد) رَوَّجتُ لها في المجالس والبيوتات، واستشهدت عليها بالقصص والحكايات، حالي كحال المفكر الفلاني أو المنبطح العلاني حين يبتدعون الأعاجيب، يسوقون خلف نظرياتهم خلقا كثيرا ممن يتبعونهم وفَكّهم الأسفل يتدلى ببلاهة.
لم يستطع أحد ثني، فقد أصبَحتْ نظريتي البديعة جزء مني وأصبحت جزء منها، حتى خرجت ذات يوم مُكرها مع العائلة الكريمة إلى السوق - فأنا أكره السوق من أخمص قدمي حتى آخر شعرة (إن وُجِدَتْ) في رأسي - فإذ بأحد أبنائي يأتيني طالبا دينارا كاملا بعد أن تكلم مع سائل غريب بالشارع، فأدركت أن في الأمر نصبا واحتيالا، لم يستمع الولد إليَّ ... بل كان في أُذُنه هاتف آخر غير نظريتي، هاتف من لدن خبير عليم، يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد سائلا قط، فقرر أن لا يَرُدَّ ذلك السائل - رغم الشك - لسان حاله يقول لي (دعوا الناس في غفلاتهم يرزق بعضهم بعضا ... )
تهاوت نظريتي أمام هدي المصطفى، فالفكر والتنطع والتنظير لا قيمة له إن خالف الهدي النبوي، فكم من فقير حُرم الصدقة بسبب غيره من النصابين، وكم حرمنا الفقراء فضول أموالنا بحجج واهية، بينما ندفع أُصولها لمطعم فاخر وتاجر كذاب أو نُبذّرها على مشروع فاشل وترف فان ....
اللهم إني أتوب إليك من اجتهاد في موضع نص ومن مخالفة هدي حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم
وكل عام والفقراء والمساكين بخير.
سكتُّ ... فأصبحتُ في مسرحية ذاك الباكستاني قاس القلب الناهي عن فعل الخير وأمسى هو الصادق المسكين، فامتلأتُ أنا بنظرات الاستنكار، وامتلأتْ جيوبه (غير المخزوقة) بالريالات.
كانت لي تجربة غنية مع مجتمع النصابين بعد زيارة مُفاجئة لبيت ختيار استدر عطف مُصلي مسجد كامل فانهالت عليه دموعهم قبل أن تنساب على جيبهِ أموالهم؛ اكتشفت فيها أن الختيار، وأرملة أخيه، والأيتام، والبيت الفارغ الذي شاهدته في الزيارة الأولى لم تكن سوى عدة النصب ... وأيّ نصب.
أصبحت بعدها أرفض دفع الكاش للفقراء، بل أطلب التنسيق مع المؤجر أو الدفع للمستشفى مباشرة ... إلخ، لم أدفع أي فلس طبعا ! لأن كل من طلبت منه الدفع بهذه الطريقة كان يولي هاربا رغم مغريات التسديد !! فتشكلت لدي نظرية ربما تكون انتهازية نوعا ما وهي (اكسب أجر بدون دفع).
ما يلبث السائل أن يمد يده حتى أعرض عليه الركوب معي بالسيارة والتوجه إلى حاجته لأقضيها له ... وهاي وجه الضيف، يهرب هو بخفي حنين وأعود أنا بالأجر.
ما حدا أحسن من حدا ... أصبحتُ صاحب نظرية مدروسة ومجربة اختصرتها بالأحرف الأولى (إِجْبد) رَوَّجتُ لها في المجالس والبيوتات، واستشهدت عليها بالقصص والحكايات، حالي كحال المفكر الفلاني أو المنبطح العلاني حين يبتدعون الأعاجيب، يسوقون خلف نظرياتهم خلقا كثيرا ممن يتبعونهم وفَكّهم الأسفل يتدلى ببلاهة.
لم يستطع أحد ثني، فقد أصبَحتْ نظريتي البديعة جزء مني وأصبحت جزء منها، حتى خرجت ذات يوم مُكرها مع العائلة الكريمة إلى السوق - فأنا أكره السوق من أخمص قدمي حتى آخر شعرة (إن وُجِدَتْ) في رأسي - فإذ بأحد أبنائي يأتيني طالبا دينارا كاملا بعد أن تكلم مع سائل غريب بالشارع، فأدركت أن في الأمر نصبا واحتيالا، لم يستمع الولد إليَّ ... بل كان في أُذُنه هاتف آخر غير نظريتي، هاتف من لدن خبير عليم، يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد سائلا قط، فقرر أن لا يَرُدَّ ذلك السائل - رغم الشك - لسان حاله يقول لي (دعوا الناس في غفلاتهم يرزق بعضهم بعضا ... )
تهاوت نظريتي أمام هدي المصطفى، فالفكر والتنطع والتنظير لا قيمة له إن خالف الهدي النبوي، فكم من فقير حُرم الصدقة بسبب غيره من النصابين، وكم حرمنا الفقراء فضول أموالنا بحجج واهية، بينما ندفع أُصولها لمطعم فاخر وتاجر كذاب أو نُبذّرها على مشروع فاشل وترف فان ....
اللهم إني أتوب إليك من اجتهاد في موضع نص ومن مخالفة هدي حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم
وكل عام والفقراء والمساكين بخير.
28/8/2017