الاثنين، 27 نوفمبر 2017

حريتهم وحريتنا





اللهم لك الحمد في الأولى والآخرة، أنت الغني عن عبادك، لا تُريد بهم إلا خيرا، ونحن الفقراء إلى رحمتك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، ولا هدي إلا هديُكَ، عَرضتَ الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، وحملناها نحن، فَسَيَّرتَ الكون على أمرك لا خيار له، فانتظم أمره انتظاما بديعا لا خلل فيه، وكان ذلك هو سجود المخلوقات وتسبيحهم وانقيادهم لك، ما رأينا في خلقك من تفاوت، وأرجعنا البصر مرات ومرات ولم يكن هناك من فطور.
وقبلنا نحن الأمانة، فَأَخْلَفْتَ آدم في الأرض وذريته من بعده، وأعطيتهم الخيار وحق القرار، وهديتهم النجدين، وبَيَّنْتَ لهم طريق الحق وطريق الباطل، وأرسلتَ رُسلكَ بالإيمان بك، والكفر بكل ما يُعبد من دونك، وثنا كان أو فكرا، عجلا كان أو ابنا؛ تكاد السماوات يتفطرن من عبادة البشر له، وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، فما ينبغي أن يكون لك ولدا، وما ينبغي لأحد أن يكفر أو يُشرك بك. وما ينبغي لأحد أن يعصيك أو يتمرد عليك.
وكانت سُنَّتكَ في الغابرين عذاب الاستئصال إن هم كفروا بك، بالطوفان أو الصيحة أو الحجارة والريح، ثم أكملتَ - وأنت الأعلم والأحكم وحاشا لنا أن نتكلم بما لا نعلم -  مهامَ التكليف والأمانة للإنسان زمن موسى عليه السلام، ورفعت عذاب الاستئصال عن القوم الكافرين والظالمين، وأوكلتَ لعبادك المؤمنين القيام بمهمة محاربة الكفر والظلم، ففرضت الجهاد عليهم.
فأصبح الإنسان مُخيرا، وقد كُلف بمهمة إعمار الأرض، ونشر التوحيد، وإقامة العدل، وأخبرته أن الأرض لن ينتظم أمرها، ولن تُخرِجَ بركتها، ولن يعم العدل في ربوعها، إلا بشريعتك الغراء الخاتمة، شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك قولك " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" كما كان الأمر مع الشرائع السابقة قبل التحريف بقولك " وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ".
فإن نحن يا رب قمنا بهذه المهمة، فقد انتظم أمرنا كما انتظم أمر السموات والأرض، وإن نحن خالفنا، فقد اختل أمرنا كما يحدث الآن.
ونحن الآن في الخيار، إما أن نكفر أو أن نؤمن، وإما أن نطيع أو أن نعصي، فمن آمن وأطاع فقد أدى الأمانة، ومن كفر وعصى فقد خان الأمانة، وكان سببا مباشرا في خراب العمران وانتشار الظلم.
وقد قُلتَ " اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" فظن البعض أنها حرية شخصية، وأنها التصريح المفتوح بفعل المعاصي والمخالفات، التي أوجبتَ عليها عقوبات دنيوية وأخروية، لا يختلف هذا الفهم السقيم عن فهم قولك "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" أنه تصريح وموافقة على حرية الاعتقاد وحرية الكفر، ونسوا أو تناسوا أن ذلك يدخل ضمن التخيير الذي منحتهم إياه بموافقتهم على حمل الأمانة، وأن ليس لهم شرعا حق الكفر، بل هو فعل مرفوض لديك، وأنت القائل " وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ" وأن عليه عقوبة أخروية كما أن عليه عقوبة دنيوية، فَصَّلتَها في كتابك وفي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، وكانت على درجات مختلفة من الأحكام، فغير المسلم قلت فيه " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" وقال رسولك فيه في الحديث المتواتر المروي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى" رواه البخاري ومسلم .وأن أمر جهاد الطلب في الإسلام من المعلوم من الدين بالضرورة، وأحكامه المبنية على الدعوة إلى الإسلام بالحجة والبيان، وبالتفكر والتدبر، وبالحوار والرحمة، يتبعه حكم دفع الجزية لمن يرفض دخول الإسلام، وإلا فالقتال، وهو الأمر الذي أدى إلى انتشار الإسلام بالنتيجة، وهو الذي أخرج الصحابة من جزيرة العرب إلى الشام والعراق ومصر وإفريقيا وخراسان، وكان خروجهم جهاد طلب ولم يكن جهاد دفع، كما يزعم من أسقط الطلب من حساباته واكتفى بجهاد الدفع، وكأن قتال عمر بن الخطاب في فارس كان دفعا عن المدينة المنورة وليس نشرا للإسلام !  
أما على صعيد المسلم، ومع أنكَ مَلَّكتهُ القدرة على تغيير دينه، إلا أنك لم تُمَلِّكهُ الحق بذلك، واعتبرت ذلك على لسان رسولك الذي لا ينطق عن الهوى ردة، وحكمت عليه بالقتل على يد الحاكم بعد الاستتابة بقوله صلى الله عليه وسلم  الوارد في الصحاح "  من بدل دينه فاقتلوه" وقوله  صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه البخاري ومسلم. فأين ذلك من حرية الاعتقاد المزعومة.
اللهم إنهم انبهروا بحرية الغرب، فأصبحوا عبيدا لها، وهو الذي اضطرهم في المحصلة إلى طرح الأحاديث الصحيحة والمتواترة جانبا، بعد أن ضربوا الحديث بالقرآن، متتبعين ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، سُقْمَاً بالفهم، وتسللا عن النص، وهروبا من الاتباع والتسليم، بينما أخذت الأمة الإسلامية بمجموعها منذ البعثة إلى يومنا هذا بأحكامك الشرعية، وآمنت بحديث نبيك، ووفقت بينه وبين القرآن، وسَلَّمتْ لك، إلا قلة مولعة بتقليد الغالب، مُنبهرة بغيرها المنتصر، وفاقدة الثقة بتشريع ربها، واثقة بشرع الأمم المتحدة ومواثيقها الدولية.
اللهم إن حرية الإسلام هي الحرية، فهي التي حررت الإنسان من الخضوع للأهواء وللأفكار وللعباد، فإنك أنت الوحيد الغني عن العالمين، والخبير بحالهم وبما يصلح لهم، وليس لكَ حاجة عند أحد من عبادك فتُحابيه،وليس بينك وبين أحد من خلقك نسب، فشرعكَ هو العدل، وهو الحق، وهو الخير، وهو الحكمة حتى وإن غاب بعضٌ منها عن أفهامنا، أما شرع غيرك فإنه الظلم الخاضع للمصالح والأهواء الشخصية والقومية والبشرية.
اللهم إن حريتهم محض عبودية للآخر المنتصر، ولم يرى المنهزمون منها إلا ربع كأسها الممتلئ، وتعامت أبصارهم عن ثلاثة أرباعها الفارغ، فالكوارث التي تسببت بها حريتهم - التي نالتها شعوبهم فقط في ليبراليتهم الخاصة، وديمقراطيتهم الطبقية - تسببت بالدمار والخراب والظلم لثلاثة أرباع الأرض، ونهبوا لأجلها حضارات، وأبادوا أمما، وخرقوا فيها حتى طبقة الآوزون، وهم فيها عبيد الأهواء والشهوات، وتحت حرية الاعتقاد، عبدوا البشر والحجر، وعبدوا البقر والشجر، وعبدوا العقل والجسد، وعبدوا حتى فرج المرأة والفئران، ومارسوا تحت ظلها الشذوذ الجنسي والفسق والفجور وما لم يخطر على بال أحد، فاختل أمر الأرض والإنسان أيَّما اختلال.
أما حريتنا، فقد تحررنا فيها من كل أنواع العبوديات، لنكون لك وحدك عبادا مخلصين، ولنعمر الأرض بخير ما تُعَمَّر به، ولننشر العدل الذي لا يتم إلا بشرع من لا يظلم أحدا، كما حدث في عصور نهضتنا السابقة.
اللهم إن حريتهم ضنك وظلم وخراب في الدنيا، تستوجب العقاب الدنيوي على يد من حريتهم هي حرية إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
اللهم إن حريتهم بالكفر تودي بهم إلى جهنم خالدين فيها، وحريتنا تودي بنا إلى نعيم جناتك
فمن يا رب أرحم بالبشرية
الذي يخادعهم ويجاملهم في حريتهم المزعومة، لينتهي بهم المقام خالدين في النار، لا قيمة لحياتهم الدنيا وحريتهم المزعومة مقارنة بمصيرهم البائس.
أم
من يدعوهم بالحسنى، ويحاورهم ويدعوهم للتفكر والتدبر والإيمان ثم هو يأخذ على أيديهم بالقوة إن هم أبوا، فيكون - في أسوء الأحوال-  أبناؤهم وأحفادهم على الإسلام إن لم يؤمنوا هم – كما حدث معنا نحن سكان الشام يوم فرض علينا خالد بن الوليد بجيوشه الفاتحة الإسلام أو الجزية - ويكون مصيرهم جنات النعيم.
اللهم إن أصبت فمنك وحدك لا شريك لك، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
اللهم إن هذا ما أدين لك به وهذا ما تعلمته من كتابك ونبيك
اللهم فاشهد.

27/11/2017

الأحد، 26 نوفمبر 2017

حرية مزعومة




بدي مساعدة من صديق مش قادر أفهمها !!
لو أن حاكما قال لشعبه لكم حرية الانتماء إلى أي حزب تريدون، وبعد أن اختار كل واحد حزبه، قام بسجنهم ومعاقبتهم باستثناء من اختار الحزب الحاكم ..... هل هذه حرية أم ضحك على اللحى؟؟؟؟ !!!!
ولله المثل الأعلى
فهل هي حرية تلكم التي يقول الله فيها "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"
أم أنها التهديد بعينه لمن يكفر كما تفيد آخر الآية "إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا"
فأي حرية تلكم التي يُهدد فاعلها بالويل والثبور ؟
فيا دعاة الحرية أنتم أحرار بخزعبلاتكم ولكن لا " تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"
26/11/2017

الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

كارثة الإسلام السياسي




الكارثة الكبرى التي تنتظر الإسلام السياسي - إن لم تكن وقعت بالفعل - هي الانحياز الكامل إلى واحد من أعتى المعسكرات إجراما عبر التاريخ (إيران،روسيا،حزب الله،النصيرية) ومن لف لفهم، بحجة أن إسرائيل تقف في الطرف المقابل، مع أن الأرقام تشير إلى تواضع الإجرام اليهودي مقارنة بإجرام معسكر التتار الجديد.
سؤال صريح : هل نقف مع إبليس (بعينه) إذا وقف ضد إسرائيل ؟؟!!
ليس للأمة الإسلامية مصلحة لا مع إسرائيل ولا مع إيران، بل يجب أن تعتمد على ذاتها وتأخذ بأسباب المنعة والعزة وتنصر الله حتى ينصرها.
وإذا ما انتصر حلف إيران فلتبشر الأمة الاسلامية باغتصاب نسائها وحرق أطفالها وقتل رجالها وتدمير مدنها وتغيير عقيدتها وانتشار اللطم في ديارها، كما حدث في العراق وسوريا واليمن
و سترى (... الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) فنقول لهم ( ... عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ)
مزبلة التاريخ تنتظر بشوق ولهفة
وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

عِجل صويلح المُقَدَّس


عِجل صويلح المُقَدَّس



تفاجأتُ به يفتحُ البابَ يلبس نفس بدلة الرياضة التي ألبسها، تبادلنا ابتسامات تحمل في طياتها المثل الشعبي (دافنينو سو). سَلَّمْتُ الأمانة لِعَدِيلي ومضيت إلى زوجتي التي أصرت أن التشابه في بدلات الرياضة هو محض صدفة، ربما يكون مردها جينات مشتركة بينها وبين أختها جعلتها تشتري لزوجها نفس ما اشترت هي لي، وأقسمتْ أيمانا مغلظة أن ليست هناك مؤامرة كونية  ضد النسايب وراءها آل العقاد، متناسية أن عَدِيْلَيَّ حضرا ذات مساء عشاء عمل في السعودية - دون تنسيق مسبق - كل يُمثل شركة مختلفة ... بنفس القميص، وأن أطقم الطربيزات وأطقم الكاسات والفناجين هي نفسها عند كل العدايل.
اجتمعنا ذات يوم (العدايل الأربعة) وقررنا التمرد بعد  اكتشافنا - المتأخر -  أننا مُسَيَّرون من حيث لا ندري، وأن بُطُوننا أُشربت من نفس العجل الذي تبيعه ملحمة المدينة في صويلح، حيث كان يقطن حماي رحمه الله رحمة واسعة ... وهاي وجه الضيف، ذهب ربيع ثورتنا أدراج الرياح، ولا زلنا لغاية هذه اللحظة نضرب أكباد الإبل مرة في الشهر إلى صويلح حيث ملحمة المدينة لشراء لحم عجلها الذي لم تلد البقر مثله حسب زعم آل العقاد الكرام.
هل هي العادة أم القابلية للاستعمار - حسب مالك بن نبي - التي تجعل الإنسان أسير نمط معين من السلوك وطرق التفكير، حتى لو تَبَيَّنَ له ما هو أفضل ؟! وهل جاءت الرسالات السماوية لتحرير الإنسان من رق العبودية ووهم الموروث أم للدروشة والعبث ؟! وهل هي وسط أم أنها جنحت نحو الروح كما النصارى أم جنحت إلى الجسد كاليهود ؟

كان من أكثر ما أثار استغرابي وأنا أتابع برنامجا عن الدماغ البشري على قناة ديسكفري ساينس، أن فص الدماغ المسؤول عن الماديات هو الذي يَتَنَشَّط عند اليهودي أثناء العبادة بخلاف النصراني الذي يتنشط عنده فص الروحانيات، وقد علق مقدم البرنامج على ذلك بقوله إن اليهودي يتخيل جسما ماديا أمامه وهو يتعبد.

 إذا هي المادية وقابلية الاستعمار عند اليهود التي جعلتهم يعبدون العجل بمجرد غياب موسى عليه السلام عنهم، ثُم "أشربوا في قلوبهم العجل" بعد ذلك وأصبحوا كائنات مادية بحتة، لم يؤمنوا - من قبل - عندما أخبرهم موسى عليه السلام أن فرعون غرق إلى أن أخرجه الله لهم جثة على سطح البحر فرأوه بأعينهم "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً"، ولم يؤمنوا - من بعد - أن الله سينصرهم عندما قال لهم موسى " ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ " وقالوا له " ... اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ".

 

إن تكرار ذكر بني إسرائيل في القرآن لم يأت عبثا، إنما هو لتذكير أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتحذيرهم من السير في نفس الطريق المغرقة في المادية، والتي أخبرنا الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام أننا سندخل نفس جحرهم كما ورد في البخاري "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ, قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى, قَالَ: فَمَنْ؟"

مادية مدقعة تجتاح تيارا عريضا من أمة محمد، أصبحنا فيها على طرفي نقيض بين من يركن إلى الروحانيات والأحلام وعدم الأخذ بالأسباب من طرف وبين من أصبح لا يختلف عن بني إسرائيل في ماديتهم إلا بالاسم.

وقد سمىّ الله عز وجل أكبر سورة في القرآن باسم (البقرة) حتى يذكر أمة محمد أن هذه الحالة المفرطة من المادية لا حل لها إلا بذبح بقرة، وأنه لم يُجب طلب بني إسرائيل من نبيهم معرفة القاتل عن طريق الخبر المباشر، إنما عمد إلى أسلوب مادي بحت يقتضي ذبح بقرة - يخيل إليك للوهلة الأولى أنه غير منطقي - وضربْ الميت بعظامها،

فكان دواؤهم بالتي كانت هي الداء

فيا أمة محمد

 " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً "

فاذبحوها

 وأخرجوا من قلوبكم عجل المادية

ومن جهتي ... فإني شادُّ الرحال إلى صويلح

معلنا الثورة

وسأذبح هناك عجلها المقدس ... حيث ملحمة المدينة

 وأجلب لحمه للبيت حسب تعليمات أم طارق وآل العقاد حفظهم الله.

 

17/11/2017


السبت، 11 نوفمبر 2017

ابن بطوطة في شارع الجامعة الأردنية


ابن بطوطة في شارع الجامعة الأردنية



أَصَّرَ المحروس ابني على أخذ سيارة والدته للنزول للعقبة، فَضَحَّتْ والدته بسيارتها، وَضَحَّيْتُ أنا بسيارتي لأم طارق - كالعادة - فَصَفّيت بدون سيارة، عادي شو عليه، مش أول مرة، المشكلة مش هون، المشكلة إني قررت آخر النهار مقارفة رياضة المشي ورفضت كل عروض أم طارق لإعادتي للبيت معززا مكرما بسيارتي.
دحشت اللاب توب وعدة الشغل ورواية يا صاحبي السجن التي أقرؤها حاليا في الحقيبة، تلفحتها على كتفي، معلنا رحلة العودة إلى الديار من الجبيهة إلى تلاع العلي مرورا بشارع الجامعة الأردنية مشيا على الأقدام.
استقبلني الشارع العام المُفْتَقد للرصيف والصَّاف بجانبه باص مدرسة هجره أهله لسبب أو لآخر، فحشرني سائق بين سيارته وبين الباص وكاد أن يفرمني لولا توقفي الكامل، لأكتشف أن هذا السائق الشاب شَغَّال واتس أب، ولم تهتز فيه شعرة عندما رآني محشورا واستمر مسرعا، والأكيد أنه لم يعتذر ولو بابتسامة أو حركة يد،  الله يرحم أيام كان الصغير يحترم الكبير.
كان منزلنا قبل ثلاثة عقود من الزمن يقبع في نهاية طريق على رأس الجبل، وكعادة الهمل يلجؤون إلى النهايات المعتمة ليلا لممارسة الحب وأشياء أخرى، وكنت كلما برزت لواحد منهم متلبسا بجرمه المشهود يُطأطئ رأسه معتذرا قبل أن يولي الدبر، أما حاليا فإنك إن أبديت ملاحظة ما لشاب في الشارع، فما أسهل أن يرفع صوته أو يده عليك، وتأتيك عشيرته فارعة دارعة، لا تنتهي مشكلتك معها إلا بمحكمة أمن الدولة، فَتُؤثر التعامي حفظا لكرامتك واحتراما لنفسك.
يا فَتَّاح يا عليم ... دهس وفرم بداية رحلة العودة إلى الوطن الأم في تلاع العلي، بسيطة، كذلك هي المسارات لا بد من عقبات البداية حتى تميز العازم عن المتردد في المسير.
نقلت حقيبة اللاب توب من كتفي الشمال إلى اليمين وأنا انتقل من المسرب المحاذي للجامعة إلى المسرب المقابل له مرورا بنفق المشاة، ويا له من نفق ! مررت فوقه الآف المرات بالسيارة قبل أن اضطر للمرور تحته البارحة مكتشفا أنه أشبه ما يكون بسوق الحرامية في سقف السيل، يا حسرة على أيام الجامعة في الثمانينيات عندما كنا لا نعترف ولا نعرف الأنفاق، بل نعبر شارع الموت بكل جسارة مخلفين وراءنا قتلى وشهداء ك(مروان عرندس) ومدهوسين.
دعوة خطرت ببالي وأنا أخرج من النفق إلى ظُلَمِ السفور أمام ماكدونالدز، هل يُعقل أن هذا الذي أُشاهده اليوم، هو نفس المنظر الذي أشاهده كل يوم وأنا في السيارة، وكأن زجاج السيارة يعزل الإنسان عن مشاهدة الواقع، كما تفعل الحكومات وتتخذ قراراتها من برج عاجي لا يمت إلى الواقع بصلة، دعوة اسميتها (أختي المحجبة اخلعي الخرقة عن رأسك ولفي بها جسدك فهو أستر وأعذر لكِ عند ربك). نتيجة طبيعية لفتاوى نص الكم، والتي أصبحت - بواقع الحال - قنطرة للإنتقال من الحجاب الكامل إلى السفور ، وليس العكس كما حسبها شيوخ مجاراة الواقع.
 أثقل اللاب توب كتفي وأنا أمر أمام كلية الزراعة مدركا السبب الكامن وراء تدلي الكرش، فمعاقرتي للشوكلاته لم تختلف عن أيام الجامعة، إلا أننا كنا أيامها نحرث الجامعة حرثا ونحن ننتقل من كلية الشريعة شمالا إلى كلية الهندسة جنوبا عدة مرات باليوم الواحد، ننقل الرسائل الحركية ونوزع البيانات والممنوعات، ونعتل الكتب المصورة والدوسيات من المكتبات أمام الزراعة إلى المختبرات في الهندسة ... كان عملا روتنيا، أما اليوم فهو بمثابة رحلة ابن بطوطة  ... هي الأعمار تمر، وهي الأيام دول، وهي الأعمال تُكتب، وهي الكروش تتدلى ... وما ربك بغافل عما تعملون.
كم هو جميل منظر جسر الجامعة العتيد الشامخ كمعلم من معالم عمان، كلما مررتُ من تحته  بالسيارة ورأيت الناس ينتظرون المواصلات العامة تُقلهم إلى أعمالهم صباحا، تمنيت لو كنت مثلهم مواطنا عاديا ليس له من هموم الدنيا إلا عائلته وأهله يسد رمقهم آخر النهار، ثم تعود بي الذكرى يوم كان باص المؤسسة الأحمر هو وسيلة تنقلنا الوحيدة ولم نكن نمتلك من حطام الدنيا حينها غير رسالة ودعوة وسبعة قروش ونصف أجرة الباص (سؤال عابر : هل لا زال الشباب في المواصلات العامة يُخلون مقاعدهم لكبار السن والصبايا والصغار ؟! لست أدري ولا أظن).
لم يستقبلني عبق التاريخ ولا عمق الجغرافيا وأنا أتقدم نحو الجسر بكل هيبة وإجلال، بل هي روائح كريهة وذباب مقيت من مخلفات حوائج الناس التي يقضونها تحت الجسر في عتمة الليل أو ربما في وضح النهار، أين أمانة عمان التي استنزفت موارد التجار والمواطنين برسوم النفايات والنظافة ، لا بد أنها منشغلة بمشروع الباص السريع، الذي يمكنني على الأقل التنعم  بأشجاره المعمرة وظلها الوارف فيما بقي لي من طريق إلى هدفي.
ملتقطا صفحات من جريدة الدستور ملقاة على الشارع أمام مقر الجريدة ذاتها - يبدو أن المثل العربي (زُمَّمار الحي لا يُطرب) صحيح، فكم من مبدع حاله بين أهله كحال تلكم الصفحات - واضعا إياها على السور مخافة أن تحتوي على أسماء الله فيدوسها المارة.
 مُنشدا
درب الهـــــــدى دربي وهبتـــــــــــــــه قلبي
أفــــــــــــــــــردته دوماً بالشــــــــــوق والحب
درب الهــــــــــــدى دنيا تمور في صـــــــدري
تضم للفـــــــــــــــــــــن عجـــــــــــــائب الفكر
........
.......

بدأت أصعب مراحل العودة بالصعود الحاد، فوصول الهدف أصعب ما يكون في النهايات.
وأخيرا ... وصلت باب البيت بعد ساعة وخمس دقائق، ناجيا من الفرم، متلوثا بمناظر السفور، مُزكم الأنف من روائح الطريق، منقطع النفس من الصعود، منتفخ الأقدام من المشي، مُنتشيا بالإنجاز، لأجد إبني المتبرطع على شواطئ العقبة المتنعم بأكل ما لذ وطاب من أسماكها، حيث الماء والخضراء والوجه الحسن، وقد كتب لنا لوحة على باب البيت يقول فيها
(بابا، ماما، إخواني ... أحبكم جميعا)
حبك برص
تعال شوف شو صار معي بشارع الجامعة
11/11/2017


الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

حوار مع حيط





ليس من السهل مقابلتهُ، فَمُحَيَّاهُ مُرهب، وَطَلَّتهُ لم تكن يوما من الأيام بهيَّة، هو من ذاك النوع الذي يَسُدّ النفسَ مَرْآهُ، إن وقفتَ أمامه يتبادر لذهنك السؤال الأبدي "هل ما فعلتُهُ يستحق عناء مرافقة هذا الحيط ؟".
رفيق يلازمك لا فكاك عنه، يحيطُ بكَ من جهاتك الأربع، يُرتِّل على مسامعك سؤال الجغرافيا الكريه، ماذا يحدك ؟  يُجيبُكَ قبل أن تنبس ببنت شفة : يَحدُّ حضرتكَ من الشمال حيط، ومن الجنوب حيط، ومن الشرق حيط، ومن الغرب الحيط، ومن أسفل منك حيط، ومن فوقك حيط.
كانت دروس الجغرافيا ومعها التاريخ أيام المدرسة من أمقت المقررات لديَّ، خاصة إن لازمها درسٌ وامتحان، ثم ما لَبِثتْ أن أصبحت ممتعة عندما اقترفتُها رغبة ومطالعة، أما بين الأربعة حيطان فإن التاريخ والجغرافيا ومعهما الدين يُصبحون تحدياً ومعركة، وأنت بينهما على المحك.
لم يستمر أكثر من 24 ساعة ذاك اللقاء الأول عام 1994 الذي تَشرَّفتُ به أو تَشرَّفَ هو بي ، يوم حُشرتُ مع مجموعة من قيادات الحركة الإسلامية بسبب المشاركة في مسيرة منددة بمعاهدة الصلح مع اسرائيل في زنزانة مخفر جبل الحسين الجماعية بين أربعة حيطان، كان الجمع غفير والمساحة شاسعة يحتاج فيها الطْرْفُ السارحُ إلى فترة قبل أن يصطدم بحضرته حيطا قابعا في آخرها، ومع أن أحداث ذاك اليوم مرت بسرعة، ولم تسنح لي فرصة كافية للحوار مع حيطان الزنزانة، إلا ان اللقاء كان صعبا لأنه كان اللقاء الأول، وكما يقال فإن الحب الأول هو أصعب أنواع الحب.
أما في الثانية بعد عدة سنوات ولسبب مشابه - هل تستحق معاهدة وادي عربة كل هذا ؟! -  فقد نَقَصَ بعضُ الجمع وتقلصت معه المساحة واقتَرَبتْ فيه الحيطان، علاقة طردية عجيبة بين عدد السائرين ومساحة الزنزانة، خاصة إن أصبحت إنفرادية، كما هي عكسية بشدة أيضا مع الوقت، فمروره السريع وعدم توقفه، ترك كثيرا من الجمع إما على رصيف الفضائيات أو على أعتاب الدَّرَكات، آخذا معه بقية الأولين إلى مساحات أصغر فأصغر.
يُقال أن الزواج من الثانية صعبٌ جدا، لكنه إن تم ... فإن المسبحة بعده تفرط (وإذا مش مصدقين اسألوا جدي "علي نيازي" فقد تزوج من تسعة)، وكذلك الحوار مع الحيطان فبعد المرة الثانية تفرط المسبحة، فينتهي بك المطاف تكرارا وجه لوجه أمام الأربعة مجتمعين، تعددت أسباب الجلب والمواجهة واحدة، كل حائط يريدك لنفسه، مستحوذا عليك يحطمك، يقترب منك في كل مرة أكثر فأكثر، مغلقا أمامك أي أفق منظور، ماسحا فيك كل أمل فسيح.
لكن الله يأبى ... لأنها لو كانت تساوي عنده جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء ولجعلها لعباده الصالحين ، ولأنه رب النفس ورب الجسد، ولأنه الرحمن الرحيم، فإنه لا يجمع على المؤمن ضيقين، فإن حُبس الجسد ساحت النفس في الملكوت، وإن اجتمع الملأ عليه يحرقونه فإن البرد والسلام يَتَنزَّلان، وإن ضاق الكهف بأهله رُتِّلَتْ الأنفال ... فَفُتحت المدائن.
تساءل أحدهم ... أين هي تلكم الجدران ؟ هل أغنت عن أحد ؟ وهل يا ترى منعت ضياء ؟ أم تراها حجبت شموس ؟
وكتب آخر ... لعل حلما جميلا يساورك في ليلة من ليالي شهرزاد، فإن حَدَّثتَ فيه نفسكَ بالتعدد كالرجال، فهي كلمة سواء وطعنة نجلاء اضرب بها عرض الحائط وقل له "إني لا أراك" ... يحدني من جهاتي الأربع سماء ولا غير السماء، وفوق السماء ربها لا رب سواه، ودعكَ من الأعتاب والأرصفة وإن تداعى عليها جمع، وتزاحمت عندها أقدام، وارنُ إلى السماء ولو كنت وحدك وضاقت عليك جدران.
فليس الزَبَدُ وإن كثر بمُنْتَهَى ...
بل هو الماء العذب الزُلال ... وحوض نبينا صلى الله عليه وسلم القائل
"عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ ، وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ... "
لا تخبروا أحدا بالمقال فالحيطان لها آذان
8/11/2017