الأحد، 22 أبريل 2018

(زهو الخسارة) الاتجاه الإسلامي في انتخابات الجامعة الأردنية


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
(زهو الخسارة) الاتجاه الإسلامي في انتخابات الجامعة الأردنية
زهوٌ يغمرك وسعادة صافية تُجَلِّلكَ، هالة أثيرية كقوس قزح تُحيطُ بِكُلِّ خلية فيك، وكأنك مُعلق بالنعيم لا أرض تُقِلُّكَ ولا سماء تُظِلُّكَ، تنساب الكلمات العذبة من فمك دون رقيب أو عتيد، ما أجمل المخدرات حين تتعاطاها (قانونيا) والسبب طبعا؛ تَسْكِين آلام عملية جراحية في الركبة قبل أكثر من ربع قرن.
عقار البيثيدين من أروع الأدوية التي تناولتها في حياتي، جعلتني أبوح لعماد الخطيب بسر طالما كتمته عنه، فاستغل حالة النشوة التي أعيشها في مستشفى الجامعة، واستدرجني بفطنته المعهودة للبوح بكل شيء، وكأن المخدرات والمسكنات تُخرج الإنسان من حالة الوعي بميزان القيم، وتقدير ما يقال وما لا يُقال، إلى حالة من الهذيان اللذيذ، وهو الذي حدا بي إلى التقدم  لخطبة فتاة وأنا طريح الفراش في المستشفى دون أن أشعر، ودون أن تعلم أم طارق والتي ستكون خطيبتي بعد عدة أشهر من تلك الواقعة وذاك الخرق، ولعل تعاطي البيثيدين يعذرني في ما مضى عندها، فهو  يُشعرك أنك الفارس المُدجج بالمجد على جواد أبيض بإمكانك طلب يد من تشاء، خاصة إن كُنت مشهورا بين طلاب وطالبات الجامعة، وكان لك باع وذراع في العمل الطلابي في عصره الذهبي، يوم كان الاتجاه الإسلامي يحصد ما يُقارب من 94% من أصوات الطلاب والطالبات.
أذكر ذات يوم أني  ذهبتُ مع الوالد رحمه الله إلى طوارئ مستشفى الجامعة، وكان يشكو من ألم شديد في بطنه، فرفض الطبيب المقيم إعطاء الوالد أي مُسكن رغم الألم الشديد لاشتباهه بوجود التهاب في المرارة، حُجّته أنه ينتظر الطبيب المختص الذي لن يستطيع تشخيص الحالة إذا سكن الألم، فالألم دليل الباحث عن السبب في طريقه لوصف العلاج.
إن فرك الفلفل في الجرح أجدى من الإدمان على المسكنات التي تخدعك بأنك سليم معافى، بينما المرض والخلل يفتك بك من كل جانب، ويجعلك تفسر الواقع المحيط بك تفسيرا مُنحازا، تبحث دائما عن عَلَّاَقَة تعلق عليها أخطاءك وأخطاء التنظيم أو الحزب، بخلاف النهج القرآني الذي بينه الله لنا في حادثة الإفك بقوله تعالى  "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ " فقال تعالى "عصبة منكم" ولم يقل أنها عصبة خارجة عنكم أو عن المجتمع، إنما أكد لهم كما يؤكد دائما " قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" ، ولم يلجأ القرآن ولا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أسلوب التخدير أو أسلوب إلقاء اللوم على الآخر.
إن هذا النهج النبوي هو عين الذي خالفته الحركات الإسلامية يوم كانت تخدر أفرادها أنها غير مطالبة بالنتائج، أو أن سبب فشلها هو ظروف وأسباب خارجية، وتُخلي مسؤوليتها عن الهزائم والانتكاسات المتتالية، ولا شك أن المراقب المحلل للحدث يُدرك تأثير كافة الأسباب الخارجية والداخلية في النتائج، لكن المشكلة تكمن في حصر هذه الأسباب في الآخر وتبرئة النفس.
إن صاحب الدعوة والرسالة أو الذي انتخبَ نفسه لخوض صراع فكري أو عسكري، يُدرك من اليوم الأول، أن له خصما شرسا لن يرحمه، وأن التدافع معه له ضريبة كبيرة يجب أن لا تكون سببا لتبرير فشله، فهذه حماس حاليا كفتح سابقا، لا تريد أن تعترف بخطئها التاريخي، يوم شاركت في انتخابات وسلطة تحت ظل الاحتلال، وأصبحت تحمل عنه عبء إدارة المناطق المحتلة، وتُحيل كل تنازلاتها عن ميثاقها الذي كتبته هي بيدها إلى أسباب خارجية من وجود محتل غاصب أو خذلان الدول العربية، وتخدر نفسها بذلك حتى لا تشعر بألم كارثتها، التي لم يُقدم عليها لا الرنتيسي ولا يحي عياش رحمهما الله رحمة واسعة.
إن ما حدث مع الاتجاه الإسلامي في انتخابات الجامعة الأردنية بحصوله على ستة مقاعد من أصل ثمانية عشر مقعدا في تراجع واضح عن السنوات السابقة، يجب أن لا يمر مرور الكرام، ويجب عدم حصره بتدخل جهات خارجية واستثناءات القبول، التي كانت موجودة سابقا كما هي موجودة اليوم، إنما الأصل أن تبحث الحركة الإسلامية عن الأسباب الداخلية التي أدت إلى هذه العينة من الانتكاسات والتراجعات التي لم تكن الأولى في الأردن ولا غيره من الدول العربية والإسلامية ولن تكون الأخيرة.
إن التراجع عن هدف استاذية العالم وحالة التماهي مع الواقع التي سارت عليها الحركة الإسلامية، فأصبحت بلا لون ولا طعم ولا رائحة، جعلها تفقد صورتها الناصعة المميزة فكريا وسلوكيا، فأصبح الطالب في الجامعة الأردنية مثلا، لا يكاد يرى فرقا واضحا من الناحية السلوكية والفكرية في كثير من الأحيان بين أفراد الاتجاه الإسلامي وأفراد الاتجاهات الأخرى، كل ذلك من أجل الحصول على الأصوات وعلى رضا الأكثرية، فَعُدنا (كمُصَيِّفَة الغور) لا حافظنا على تميزنا بمبادئنا ولا حصلنا على الأكثرية، متماهين مع نظرية رئيس وزراء تركيا السابق أوغلو الفاشلة بتصفير المشاكل مع الكل، والتي تُعارض كل السنن التي قام عليها اجتماع البشر وتدافعهم في عمارة الأرض منذ آدم عليه السلام، كما قال تعالى " وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ" فأصبحت مشاكل تركيا بعد هذه النظرية الخرقاء مع الكل.
سألني الأخ إيثار ذات يوم ونحن نتناقش عن التجربة التركية : هل فرحت ليلة الانقلاب على أردوغان أم غضبت ؟ فأجبته حينها أني فرحت، لا حبا بالانقلابيين ولكن كرها لحالة الخدر التي تعيشها الأمة. كما أني فرحت يوم كان والدي رحمه الله يتألم قبل أخذ المسكن، حتى يتمكن الطبيب من التشخيص السليم، فالألم المُنبه خير من السكون الخادع، ذاك السكون اللذيذ الذي عشته ثلاثة أيام بعد عملية ركبتي المفتوحة، فأخبرني الطبيب أنه سيقطع عني عقار البيثيدين، وإلا فإني سأصبح مدمنا عليه (ولربما خطبت - تحت تأثيره-  كل الصبايا في مستشفى الجامعة) ليعود الألم منبها لي وقائدا في رحلة العلاج الطبيعي، والتي ختمتها بزيارة بيت عمي أبو بلال رحمه الله طالبا يد ابنته.
 فإلى متى سنبقى نُحيط أنفسنا بهالة من الوهم، ونعيش زهوا خادعا، ونرتع بالسعادة الغامرة في بطولات دون كيشوتية نقاتل بها طواحين الهواء، تُغيبنا عن الواقع الذي ننحدر فيه يوما بعد يوم.
فيكفينا هذيانا لذيذا ونشوة كاذبة
ولنعترف أن العطب لا يُعرف إلا بالألم
 وأنه
"مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ "
أسأل الله أن أكون وإياكم ممن يريد الآخرة
22/4/2018

السبت، 14 أبريل 2018

فقدان الثقة بالله بوابة الإلحاد



بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
لعل من أسباب فقدان الثقة بالله عز وجل وانتشار الإلحاد مؤخرا بين جيل الشباب؛ هو الحال المتردي الذي وصلنا إليه، والهزائم المتتالية، والمجازر المروعة، وفشل التجارب الإسلامية، والقادم أدهى، فبرز السؤال : لو كان الله موجودا لما سمح بكل هذا ؟؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال أود من المهتم العودة للأسئلة السابقة الواردة في مقال هوكينج ومقال السؤال الرابع الكبير وهي موجودة على مدونتي (غراس الكلم).
إن وجود قوة عظمى مطلقة وراء خلق الكون والقيام على شؤونه، شُرِطَ لها أن تكون كاملة لا يعتريها النقص، وبغير ذلك فإنها تهبط إلى قوة محدودة لا تستحق وصف الخالق، وتُعرف هذه القوة بصفات الجلال والكمال، ومن أوجه هذا الكمال أن هذه القوة تحكم ولا معقب لحكمها "وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" والله عز وجل وضع لهذا الكون القوانين والسنن التي يسير عليها، ولا راد لهذه القوانين الكونية ولا معقب عليها، ولو لم تكن هذه السنن نافذة، لبطلت قدرة وحكمة واضع هذه القوانين "فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا" . فانظر إلى الحُكَّام (ولله المثل الأعلى) أيهما أقوى ؟ النافذة قوانينه لا يحابي بها أحدا أم واضع القوانين التي ليس لها على الواقع أي تطبيق أو أثر ؟
إن الله عز وجل لم يُحابي رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يوم خالف الصحابة سنن النصر في معركة أحد، وسرت قوانينه على محمد قبل أن تسري علينا هذه الأيام، وما سبب ما نحن فيه  إلا مخالفة هذا القانون، فالله عز وجل جعل أسباب التمكين متاحة لكل البشر، إن أخذ بها الكفار تَمَكَّنوا وإن تركناها هُزمنا، "وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ " فهي (سواءً) لنا ولعدونا.
إن البعض منا عندما هُزمت الأمة وحلت بها المجازر فقد ثقته بالله بدل أن ينظر إلى مخالفته للقانون الرباني، الذي حاشا للقوة المطلقة أن تضع قانونا ثم لا يكون نافذا، فذاك اتهام بالعجز والنقص حاشا للخالق أن يتصف به.
ولم ولن ننتصر ما دمنا نخالف القانون ولو كان معنا كل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك طلب الشفاء دون العلاج أو طلب الطعام دون السعي "كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ".
فمن ناقشك من الذين فقدوا ثقتهم بالله بسبب مجازر سوريا أو مذبحة رابعة فأعده إلى القانون، وقل له لو انتصرنا ونحن نخالف سنن الله لحكمنا على الخالق أنه عاجز، ولنا الحق أن نعقب على قوانينه التي وضعها ونخالفها ثم ننتصر،
والانتصار مع مخالفة السنة الربانية؛ أدعى للإلحاد من سريان قانون الخالق علينا بالهزيمة.
فهزيمتنا هي محض تحقيق الإيمان بالذي يحكم ولا معقب لحكمه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها. قيل أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثرة و لكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا : و ما الوهن يا رسول الله ؟ قال: حب الدنيا و كراهية الموت".
فسبب هزيمتنا حبنا للدنيا وكراهيتنا للموت وليس عدم وجود الخالق أو عجزه.
فشرط القوة المطلقة التي ليس فوقها قوة (الله) أن تكون سننها نافذة.
فلا تلوموا الله على هزيمتكم "ولوموا أنفسكم " 
في المرة القادمة ضمن سلسلتنا عن الإلحاد وبعد أن أجبنا عن السؤال الرابع في مقال سابق والذي كان نصه : هل يوجد من قال أو زعم أنه خالق هذا الكون غير الله ؟
أناقش السؤال الخامس : كيف وصلنا هذا الزعم وهذا الادعاء ؟
إن شاء الله وهو ولي التوفيق
14/4/2018

الأحد، 8 أبريل 2018

شيلي كتابك وانزلي ... في رثاء عمي طارق التل



بقلم زوجتي لبنى العقاد حفظها الله

طارق علي نيازي التل 
والدي بعد والدي رحمهما الله رحمة واسعة
ما زلت أسمع صدى صوتك يتردد في حديقة المنزل تترنم باسم حفيدتك "يا فاطمُ يافاطمُ
شيلي كتابك وانزلي .. 
وانزلي حرم النبيّ..."
في صباحات الجُمع يوم كانت فاطمة تصحو باكرا تنظر من النّافذة لتُلقي عليك السلام وأنت تتنقّل بين أشجارك الأثيرة تقلّم وتسقي تارة وتتسلّق وتجني الثمار تارة أخرى بهمّة عالية ونشاط يضاهي نشاط الشّباب .
ما زالت صورتك ماثلةً أمامي وأنت تهشّ وتبشّ لي كلما دلفتُ إلى بيتكم تناولني بيدك نصف أوّل ثمرة نضجت على شجرة التين الحبيبة الى قلبك ليكون نصفها الآخر حصة خالتي أمّ اللّيث .
والدي الحبيب بعد والدي
لم تزل حيّا في ذاكرتي حاملا عصاك، والابتسامة لا تفارق محيّاك ونحن نشدّ الرّحال بمعيّتك إلى "منتجع الموقّر" حيث أقام ولدك "المشاغب" ليث لمدة عشرة أشهر لنحظى بلقاءٍ معه لمدة عشرين دقيقة فقط (بعد رحلة دامت ساعة ونصف) نسمع صوته من خلال أسلاك هاتف ونراه من خلال زجاج عازل للصوت ويكاد يكون عازل للصورة كذلك، كم كنتُ أشفق عليك يا والدي من طول رحلة الشتاء والصيف تلك،وكم كنت تشفق عليّ وعلى الأولاد ،فكنت تحاول التّخفيفّ عنّا بأحاديثك الماتعة وذكرياتك ...
كم كنت حريصا على إنهاء حديثك مع ليث بأقصى سرعة لتتيح جلّ وقت الزيارة لفاطمة واخوانها حاملا عصاك مبتعدا عن الحاجز جالسا على الكرسيّ(اذا توفّر) حتى لا تنتهك خصوصيتنا...
ويا لها من خصوصيّة تلك التي ينتهكها الكثير إلا أنت !
كم كنت أقدّر مرورك الكريم كل مساء - متكبّدا عناء صعود الدرج الطويل لمن في مثل سنّك-
تتفقّد حالنا تواسينا بودّك ودفء حضورك بيننا .
والدي أبا اللّيث..
أشكر لك حلمك الذي كنت تستقبلني به عندما كنتُ أطيش أحيانا.
أشكر لك سعة قلبك الذّي وسعني عندما ضاقت بي السُبل.
وأشكر لك ودّك الذّي غمرتني به أنت وخالتي أمّ الليث من أول يوم صرت فيه زوجا لابنك فما شعرت يوماً إلاّ أنّي ابنتكم السّابعة .
سلام عليك يوم متّ ويوم تبعثُ حياًّ 

لبنى فاروق العقاد
8/4/2018