بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
(زهو الخسارة) الاتجاه الإسلامي في انتخابات الجامعة الأردنية
زهوٌ يغمرك وسعادة صافية تُجَلِّلكَ، هالة أثيرية كقوس قزح
تُحيطُ بِكُلِّ خلية فيك، وكأنك مُعلق بالنعيم لا أرض تُقِلُّكَ ولا سماء تُظِلُّكَ،
تنساب الكلمات العذبة من فمك دون رقيب أو عتيد، ما أجمل المخدرات حين تتعاطاها
(قانونيا) والسبب طبعا؛ تَسْكِين آلام عملية جراحية في الركبة قبل أكثر من ربع
قرن.
عقار البيثيدين من أروع الأدوية التي تناولتها في حياتي، جعلتني
أبوح لعماد الخطيب بسر طالما كتمته عنه، فاستغل حالة النشوة التي أعيشها في مستشفى
الجامعة، واستدرجني بفطنته المعهودة للبوح بكل شيء، وكأن المخدرات والمسكنات تُخرج
الإنسان من حالة الوعي بميزان القيم، وتقدير ما يقال وما لا يُقال، إلى حالة من
الهذيان اللذيذ، وهو الذي حدا بي إلى التقدم لخطبة فتاة وأنا طريح الفراش في المستشفى دون أن
أشعر، ودون أن تعلم أم طارق والتي ستكون خطيبتي بعد عدة أشهر من تلك الواقعة وذاك
الخرق، ولعل تعاطي البيثيدين يعذرني في ما مضى عندها، فهو يُشعرك أنك الفارس المُدجج بالمجد على جواد أبيض
بإمكانك طلب يد من تشاء، خاصة إن كُنت مشهورا بين طلاب وطالبات الجامعة، وكان لك باع
وذراع في العمل الطلابي في عصره الذهبي، يوم كان الاتجاه الإسلامي يحصد ما يُقارب
من 94% من أصوات الطلاب والطالبات.
أذكر ذات يوم أني ذهبتُ
مع الوالد رحمه الله إلى طوارئ مستشفى الجامعة، وكان يشكو من ألم شديد في بطنه، فرفض
الطبيب المقيم إعطاء الوالد أي مُسكن رغم الألم الشديد لاشتباهه بوجود التهاب في
المرارة، حُجّته أنه ينتظر الطبيب المختص الذي لن يستطيع تشخيص الحالة إذا سكن
الألم، فالألم دليل الباحث عن السبب في طريقه لوصف العلاج.
إن فرك الفلفل في الجرح أجدى من الإدمان على المسكنات التي
تخدعك بأنك سليم معافى، بينما المرض والخلل يفتك بك من كل جانب، ويجعلك تفسر
الواقع المحيط بك تفسيرا مُنحازا، تبحث دائما عن عَلَّاَقَة تعلق عليها أخطاءك
وأخطاء التنظيم أو الحزب، بخلاف النهج القرآني الذي بينه الله لنا في حادثة الإفك
بقوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ
مِّنكُمْ "
فقال تعالى "عصبة منكم" ولم يقل أنها عصبة خارجة عنكم أو عن المجتمع،
إنما أكد لهم كما يؤكد دائما " قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" ،
ولم يلجأ القرآن ولا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أسلوب التخدير أو أسلوب إلقاء
اللوم على الآخر.
إن هذا النهج النبوي هو عين الذي خالفته الحركات الإسلامية يوم
كانت تخدر أفرادها أنها غير مطالبة بالنتائج، أو أن سبب فشلها هو ظروف وأسباب
خارجية، وتُخلي مسؤوليتها عن الهزائم والانتكاسات المتتالية، ولا شك أن المراقب
المحلل للحدث يُدرك تأثير كافة الأسباب الخارجية والداخلية في النتائج، لكن
المشكلة تكمن في حصر هذه الأسباب في الآخر وتبرئة النفس.
إن صاحب الدعوة والرسالة أو الذي انتخبَ نفسه لخوض صراع فكري أو
عسكري، يُدرك من اليوم الأول، أن له خصما شرسا لن يرحمه، وأن التدافع معه له ضريبة
كبيرة يجب أن لا تكون سببا لتبرير فشله، فهذه حماس حاليا كفتح سابقا، لا تريد أن تعترف بخطئها التاريخي، يوم شاركت في انتخابات وسلطة تحت ظل الاحتلال، وأصبحت تحمل
عنه عبء إدارة المناطق المحتلة، وتُحيل كل تنازلاتها عن ميثاقها الذي كتبته هي
بيدها إلى أسباب خارجية من وجود محتل غاصب أو خذلان الدول العربية، وتخدر نفسها
بذلك حتى لا تشعر بألم كارثتها، التي لم يُقدم عليها لا الرنتيسي ولا يحي عياش
رحمهما الله رحمة واسعة.
إن ما حدث مع الاتجاه الإسلامي في انتخابات الجامعة الأردنية
بحصوله على ستة مقاعد من أصل ثمانية عشر مقعدا في تراجع واضح عن السنوات السابقة،
يجب أن لا يمر مرور الكرام، ويجب عدم حصره بتدخل جهات خارجية واستثناءات القبول،
التي كانت موجودة سابقا كما هي موجودة اليوم، إنما الأصل أن تبحث الحركة الإسلامية
عن الأسباب الداخلية التي أدت إلى هذه العينة من الانتكاسات والتراجعات التي لم تكن
الأولى في الأردن ولا غيره من الدول العربية والإسلامية ولن تكون الأخيرة.
إن التراجع عن هدف استاذية العالم وحالة التماهي مع الواقع التي سارت عليها الحركة الإسلامية،
فأصبحت بلا لون ولا طعم ولا رائحة، جعلها تفقد صورتها الناصعة المميزة فكريا
وسلوكيا، فأصبح الطالب في الجامعة الأردنية مثلا، لا يكاد يرى فرقا واضحا من
الناحية السلوكية والفكرية في كثير من الأحيان بين أفراد الاتجاه الإسلامي وأفراد
الاتجاهات الأخرى، كل ذلك من أجل الحصول على الأصوات وعلى رضا الأكثرية، فَعُدنا
(كمُصَيِّفَة الغور) لا حافظنا على تميزنا بمبادئنا ولا حصلنا على الأكثرية،
متماهين مع نظرية رئيس وزراء تركيا السابق أوغلو الفاشلة بتصفير المشاكل مع الكل،
والتي تُعارض كل السنن التي قام عليها اجتماع البشر وتدافعهم في عمارة الأرض منذ
آدم عليه السلام، كما قال تعالى " وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ" فأصبحت
مشاكل تركيا بعد هذه النظرية الخرقاء مع الكل.
سألني الأخ إيثار ذات يوم ونحن نتناقش عن التجربة التركية : هل
فرحت ليلة الانقلاب على أردوغان أم غضبت ؟ فأجبته حينها أني فرحت، لا حبا بالانقلابيين
ولكن كرها لحالة الخدر التي تعيشها الأمة. كما أني فرحت يوم كان والدي رحمه الله
يتألم قبل أخذ المسكن، حتى يتمكن الطبيب من التشخيص السليم، فالألم المُنبه خير من
السكون الخادع، ذاك السكون اللذيذ الذي عشته ثلاثة أيام بعد عملية ركبتي المفتوحة،
فأخبرني الطبيب أنه سيقطع عني عقار البيثيدين، وإلا فإني سأصبح مدمنا عليه (ولربما
خطبت - تحت تأثيره- كل الصبايا في مستشفى
الجامعة) ليعود الألم منبها لي وقائدا في رحلة العلاج الطبيعي، والتي ختمتها
بزيارة بيت عمي أبو بلال رحمه الله طالبا يد ابنته.
فإلى متى سنبقى نُحيط
أنفسنا بهالة من الوهم، ونعيش زهوا خادعا، ونرتع بالسعادة الغامرة في بطولات دون
كيشوتية نقاتل بها طواحين الهواء، تُغيبنا عن الواقع الذي ننحدر فيه يوما بعد يوم.
فيكفينا هذيانا لذيذا ونشوة كاذبة
ولنعترف أن العطب لا يُعرف إلا بالألم
وأنه
"مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ "
أسأل الله أن أكون وإياكم ممن يريد الآخرة
22/4/2018