بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:
(لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي
الخَلَصَةِ) متفق عليه.
وَذُو الخَلَصَةِ :
طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، (أَلَيَاتُ)
بفتح الهمزة واللام، معناه أعجازهن، جمع ألية، والمراد يضطربن من الطواف حول ذي
الخلصة، واضطراب الألية كناية عن السعي والحركة.
إن الرسول صلى الله عليه
وسلم جاء بالرسالة الخاتمة التي تربط العبد مباشرة بربه، بعد أن عانت البشرية دهرا
من الزمان من الذين ضعف بهم إيمانهم عن الارتباط المباشر بالخالق، واتخذوا وسطاء
من البشر أو الحجر يقربونهم إلى الله زلفى، فما عادت البشرية تناجي الله بالدعاء
وتتلقى عنه عن طريق الكتب السماوية والأنبياء، ابتداء بيغوث ويعوق ونسرا وانتهاء بتأليه
نبي الله عيسى عليه السلام، وكانت معركته صلى الله عليه وسلم مع الجاهلية تنصب على
محاربة الأنداد والوسطاء بين الله وعباده، فعادت البشرية بهذه الرسالة الخالدة إلى
فطرتها الأولى، وعاشت لفترة تزيد عن ألف عام أفضل مراحلها، والحضارة السائدة فيها
هي حضارة الذين يتلقون عن الله ويعظمونه يُعَمِّرون الأرض يَنشُرون الرحمة، وترك
لنا الرسول ما إن تمسكنا به لن نضل بعده أبدا، كتاب الله وسنته، ثم دالت علينا
الأيام بفعل أيدينا، وكان أبرز مظاهر هذا التنحي الحضاري، وأحد أهم أسباب هذه
الهزيمة التاريخية، هي اتخاذ الوسطاء وتعظيمهم من دون الله، واتباعهم على الحق والباطل،
وكنا كالغريق الذي يتعلق بقشة، فتعلقنا بقشة الرجال لا بحبل الله المتين، وغفلت
الأمة أن (الرجال يُعرفون بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال)، فالحق ميزان ثابت
والرجال بشر مُتَغَيِّرون، اضطربت أَلَيَاتنا على جمال عبد الناصر مرورا بصدام
حسين وانتهاء بأردوغان.
ولا يلزم الباحث عن الحق
كثير جهد حتى يعرف موضع قدميه من الأحداث، فالحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما
حرمه الله ورسوله. وقبل التكلم في بدهيات الإسلام التي تصل بنا إلى معرفة طريق
ضياعنا الحالي، حتى نتجنبه، ثم معرفة طريق نجاتنا في الدنيا وخلاصنا في الآخرة، فإني
أُنَوِّهُ إلى أكبر عملية تضليل قامت بها (مؤسسة الرجال) تجاه الشرع والحق، وتحتها
تم تبرير ممارسة كل الموبقات، فتحت عنوان :
"لقد كان الرسول صلى
الله عليه وسلم يعيش في مكة والأصنام حوله ورايات بيوت الدعارة ترفرف أمامه ولم يفعل
بها شيئا"
تحت هذا العنوان تم تبرير كل
شيء، حتى وصل المطاف بالبعض من الإسلاميين إلى شتم اللحى وسب الشرف تبريرا ودفاعا
عن تقنين الدعارة في تركيا، وأصبحت أَلَيَاتنا تضطربُ على أردوغان تقديسا وتعظيما،
ننفي الحقائق الواضحة، وننكر الأرقام المثبتة، ونبرر له كل فعل حتى لو كان يستمطر
حجارة السماء.
أما الحجة الساقطة فهي سهلة
الدحض يسيرة الفهم، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد :
لقد كان الرسول صلى الله
عليه وسلم فردا مستضعفا في مكة، ولم يكن صاحب سلطة وولاية، ورفض كل عروض استلام حكم
منقوص السيادة، وعندما استلم السلطة في المدينة المنورة؛ فإنه أقام كل أحكام
الإسلام النازلة إلى حينه، ولم يتأخر عن واحد منها حتى لو أن فاطمة بنت محمد سرقت
لقطع يدها، وحاشا له فرية القوم أنه كان يسمح بممارسة - عوضا عن تقنين - الكبائر
والفواحش.
فرأفة بأنفسكم، فإني والله
لكم ناصح أمين، إن هذه الحجة البائسة التي تسوقون وراءها أي ممارسة تريدون دون
رقيب أو عتيد، لهي الإساءة البالغة لنبيكم، وإنه لسائلكم عنها يوم القيامة، فأعدوا
أجوبتكم.
فلو كان أردوغان مجرد فرد أو
جماعة مستضعفة في تركيا، لقبلنا حجتكم مقارنة بحال الرسول في مكة، أما وإنه سلطان
تركيا وخليفة المسلمين كما يزعم البعض، فلا والله لن نسكت عن هذا المنكر الصراح،
حتى لو اتُهمنا أننا من أتباع السيسي أو من معسكر السعودية والإمارات أو أننا
نتكلم لأسباب إقليمية، فكل ذلك يهون أمام مسؤولية إنكار المنكر، ووقف اضطراب أَلَيَات
الناشئة على الوهم والسراب، ثم الضياع والخراب، فهل سنبقى في كل مرة لا نعقل ؟!
إن السلطان أردوغان بنى لنفسه
قصرا بتكلفة مليار دولار، وتلكم رسوم السلطة وعنوان الغلبة.
إن السلطان أردوغان يحرك
الجيوش ويتحكم بالأمن والنظام الداخلي، وتلك لعمري هي الدولة المطلقة.
إن السلطان أردوغان قمع
الانقلاب وزج الآلاف في السجون وفصل وحاسب وطارد، وإن هذا لهو السلطان القاهر.
إن السلطان أردوغان تحدى كل
خصومه وتفرد بالحكم وعزل أقرب المقربين كغول وأغلو، وذاك الاستبداد.
إن تركيا تعتبر من أقوى دول
المنطقة وهي دولة محورية، تحالف الأمريكان أحيانا، وتحالف الروس في أخرى، وتلك هي
السيادة الحرة.
إن أردوغان سلطان في كل شيء
وعلى كل شيء إلا على تطبيق شرع الله.
لأنه علماني لا يُريد ذلك
أصلا، ولم يُصرح به.
إن الممارسات التي تتعارض مع
بدهيات ديننا التي لا يسع الكثير ممن اضطربت أَلَيَاتهم إلى اسطنبول، إلا إنكار
وجودها كالذي يغطي الشمس بغربال، أو الهروب من سماعها خوفها من ذوبان مدينة ملحه
وتبدد ورد أحلامه، أو شن حملة اتهام معاكسة واعتبار الناصح له عميلا للآخر، أو حجة
المفلس بشتم الشرف وسب اللحى، أو الهروب للأمام بالمطالبة منا الكلام عن الدول
العربية التي لم تقنن أي منها الدعارة أو الشذوذ، إن هذه الممارسات الكارثية التي
أدعو الباحث عن رضى ربه لا الباحث عن أمل كاذب، أن يبحث عنها، فهي منشورة ومعلومة
بالضرورة عند أي منصف عاقل :
أولا : (الدعارة) فهي مُشرعة
مقننة، وقد تضاعف أعداد العاملين فيها في سنوات حكم أردوغان، وما الحملة على
الدعارة التي يتغنى بها البعض إلا حملة على المواخير التي كانت لا تدفع الضرائب، فالتزمت
بدفعها وعادت للعمل مضيفة رزقا (حلالا طيبا) إلى خزينة الدولة، وصل مع عدة نشاطات
مشابهة إلى عدة مليارات.
ثانيا : (حلف الناتو وروسيا)
وقد شارك معهما أردوغان في الحرب على أفغانستان والعراق وسوريا، وكان لذلك من
الكوارث المعروفة على شعوب هذه الدول ما لا يخفى على أحد، قتلا وتدميرا وخرابا، آخره
اتفاق خفض التصعيد مع روسيا وإيران، والذي نجم عنه تفرع القوات البرية السورية
المحدودة لفتح الجبهة التي تريدها بالمكان الذي تريده، بينما تركيا تلزم الجيش
الحر بهذا الاتفاق، والغوطة الشرقية خير دليل، وقصة تسليم حلب للنظام معروفة.
ثالثا : (الشذوذ الجنسي)
والذي له نوادٍ منتشرة ومجلات معروفة، بل إن أردوغان شخصيا اعتبره - كما الغنوشي –
حقا شخصيا غير مُجَرَّم، والتسجيل منتشر لمن أراده، ومنع مظاهرة للشواذ العام
الماضي كانت لأسباب أمنية، ولا زالت المظاهرات تُعقد كل سنة يشارك بها عشرات
الآلاف من مستمطري حجارة السماء.
رابعا : (الربا) أساس
الاقتصاد التركي الذي يتغنى البعض به لأن أردوغان سدد قرضه لصندوق النقد الدولي،
والبالغ 17 مليار دولار تقريبا، وتناسى أن ديون تركيا للجهات الآخرى الخارجية
والداخلية يبلغ مئات المليارات من الدولارات، وهي أرقام تنشرها الحكومة التركية لا
ليث التل، وقد توعد الله الربا بالحرب والمحق، وأنى لهذه الأليات أن تضطرب أو تصمد
أمام محق الله وحربه !!
خامسا : (العلاقات مع
إسرائيل) كانت قبل أردوغان وما زالت، وتعمقت حسب المصالح العليا لتركيا، وارتفع
التبادل التجاري معها، وخروج أردوغان من اجتماعه مع بيرس كان مجرد بروباغندا لم تؤثر
على هذه المصالح المتبادلة، فهي تزيد وتنقص حسب الظروف السياسية والمصالح.
سادسا : (السياحة) وما فيها
من ممارسة الكبائر من زنا وشرب خمر ونوادي رقص وتعري وشواطئ خلاعة وفجور.
ثم دعك من صغائر الإنجازات
أمام هذا الخرق الكبير.
إن مهمة أردوغان الذي جاء
على إرث 80 سنة من العلمانية في بلد غالبيته العظمى مسلمة وتحب الإسلام وكانت
حاضنة الخلافة العثمانية لمئات السنين، أسهل من مهمة حبيبكم محمد عليه الصلاة
والسلام – الذي انتصر بالسنن لا بالخوارق – والذي جاء على إرث كفر منذ آلاف السنين
في جزيرة العرب، وأنهى مهمته عليه الصلاة والسلام قبل وفاته.
يا أيها القوم لا تأخذوا هذا
الكلام على محمل التحدي لشخصي الضعيف وغير المهم، فإني لا أغني عنكم شيئا، ولن أضر
أردوغان بشيء، بل خذوه على محمل النصح، فالله الله يا قوم، الله الله، إنها
الكبائر والجرائم تُمارس باسم الدين، فإياكم فقد كثرت النكت السوداء وأخشى أن تصبح
القلوب مسودة مربدة كالكوز مجخية، لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا.
إن فشل تجارب العمل الإسلامي
سببها عدم الأخذ بسنن الله الغلابة، فلا تجعل هذا الفشل يدفعك لمخالفة ثوابت دينك
وفعل رسولك.
مَجِّدْ دينك ولا تمجد
الرجال
ثق بربك ولا تثق بمن بَدَّلَ
وَغَيَّر
لا تدع الإنجاز (إن صح) ينسيك
ثوابت دينك، فالمسيح الدجال سيحكم العالم ومن الأنبياء من يأتي يوم القيامة وليس
معه أحد.
ابحث عن سنن الله ونهج
الرسول فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.
اعرف الرجال بالحق ولا تعرف
الحق بالرجال
قدس شرعك لا الرجال
ولا تكن كنساء دَوْس
فالله أَجَّل من أن يُرتكبَ ذلك باسمه
وهو أعز من أن ينصر دينه بذلك
20/3/2018