الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
رحلة إلى حافة الأرض
الحمد لله على سلامتي -مع أن سلامتي قضية ليست محل إجماع عند الأصدقاء على صفحات التواصل الاجتماعي- فقد عدتُ مؤخرا من رحلة إلى نهاية العالم، نهاية العالم ذلك المكان المجهول الذي بحث عنه الرحالة منذ العصور الغابرة ولم يصلوا إليه بعد، لكن حضرتي وصل إليه أخيرا.
كنت وانا صغير استخدم عبارة (آخر الدنيا) للتعبير عن المكان البعيد أو عبارة (قبل آخر الدنيا بشوي) أما عندما كبرت وسُجنت (ظلما) لأسباب غير جنائية ولا علاقة لها بالأخلاق وهيك شغلات، كان السجن يقع فعليا قبل آخر الدنيا بقليل، حيث كانت أم طارق وابنتي فاطمة يقطعون الفيافي والقفار متجاوزين الحضارة والمدنية من أجل الوصول إلى سجن الموقر وتشريفي بزيارة من وراء الزجاج لا تزيد مدتها عن نصف ساعة، كان السجن بالنسبة لهنّ آخر الدنيا كما هو للسجين نهاية العالم، عالم النفاق والخداع به تكتشف ما يقع خلف هذه الدنيا من حقائق بالخلوة والتفكر والتدبر.
كانت تلك كل تجربتي مع آخر الدنيا ولكن بعد أن استمعت البارحة لمحاضرة على اليوتيوب لأستاذ فاضل له مواقف طيبة يتكلم فيها عن تسطيح الأرض وعن مخالفة كل الآيات التي تتكلم عن خلق السموات والأرض للعلوم الحديثة أُصبت بصدمة وصداع ما زال يلازمني لغاية كتابة هذه السطور، فأنا وبحمد الله وبحكم تخصصي العلمي وبحكم اهتمامي السابق بعلوم الفلك كنتُ دائم التفكر في خلق السموات الأرض وكم توقفت عند بديع خلق الله عندما كنت أتابع آخر الاكتشافات العلمية وأتناغم بها مع آيات سورة الأنعام وسورة النحل وغيرها من السور التي كانت تدعونا دائما للتفكر والتدبر فزاد بفضل الله إيماني ورسخت عقيدتي وأصبح تعاملي مع المحكم من آيات الله وكلام رسوله تعامل المؤمن المُسَّلِم الذي لا يجامل في دين الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا وبِتُّ أرفض أي فكر أو عقيدة أو فلسفة تتعارض مع دين الله وشرعه.
ولأن هذا الرجل الذي يسطح الأرض ويرفض أن تكون بحجم ذرة مقارنة بالسموات والمجرات ويرفض أي علم فيزيائي أو فلكي أو كيميائي يتعارض مع ما زعم أنه منطوق الآيات القرآنية فقد قررت أن أقوم بمغامرة عملية لرد شبهات هذا الفاضل الذي سَيَرُدّ الناس عن دينهم من حيث لا يدري.
ولكن قبل المغامرة أريد توضيح أن ما ثبت عن الله ورسوله بالدليل قطعي الثبوت وقطعي الدلالة فهو عندي مقدم على كل العلوم خاصة الإنسانية منها لأن أغلب العلوم العلمية تركها لله لعباده تفكرا وتدبرا واكتشافا وتسخيرا من أجل تعظيم خالقها أولا ثم عمارة الأرض ثانيا، وهي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة في حادثة تأبير النخل (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، أم أن يأتي شخص ويضرب بكل العلوم العلمية عرض الحائط زاعما تعارضها مع الوحي وينكر لأجل ذلك صور الأرض الكروية تحت عنوان المؤامرة، فإن ذلك يستلزم مني القيام بمغامرتي الصغيرة.
توجهت فورا إلى المطار وحجزت تذكرة إلى القاهرة غربا وطرت منها نحو تونس ومن هناك توجهت إلى مدينة الرباط عاصمة المغرب العزيز وعبرت المحيط الأطلسي غربا باتجاه أمريكا وبعد أن عبرتها ركبتُ طائرة أخرى تجاه جزر هاواي في المحيط الهادي ومن هناك أكملت عبور المحيط غربا باتجاه طوكيو ومن طوكيو توجهت إلى بكين ومنها لكابل ثم طهران (وكان ذلك خطأ كبيرا فقد حجزني الملالي هناك للتحقيق معي بشأن مقالاتي التي أشتم فيه الجد السابع لمحور الممانعة ممثلا بإيران وبشار وحزب الله ومن لف لفهم، وهربت منهم بطلوع الروح) أكملت باتجاه بغداد غربا ومن هناك عدت إلى عمان وإلى إكمال مقالي هذه عن الأرض المسطحة التي لم أصل إلى حافتها رغم أني سرت بخط مستقيم حتى عدت من حيث بدأت ولم أقع بهاوية نهاية العالم.
أين ذهبت عقولكم يا قوم، نحن نؤمن أن الله سخر الكون كله للإنسان وأن الأرض مركز الخلق وأنها ثابتة تحت أقدامنا وأن خلقها بديع عظيم ولا يعني ذلك أن ننفي أنها ذرة مقارنة باتساع السموات فقد ورد في الحديث أن كل سماء أكبر من التي سبقتها وأنها كلها كالحلقة في فلاة بالنسبة للعرش فالأمر يؤخذ بالنسبية والمقارنة، وما ورد عن عظم الأرض وثباتها لا يتعارض مع دورانها حول الشمس أو دورانها حول نفسها، هي عظيمة بالنسبة للإنسان وصغيرة بالنسبة للسموات وكل ما ورد سابقا فناء لا يذكر بالنسبة لله عز وجل وعظمته وإحاطته، فأين التعارض في هذا بين كتاب الله المنظور وبين كتاب الله المقروء !! فلا تفتنوا الناس في دينهم بسب ضيق فهمكم للنصوص وعدم إدراككم لما أظهر الله لنا من بديع خلقه عبر العلوم والتلسكوبات والميكرسكوبات والرحلات الفضائية وغيرها.
يقول سيد قطب في كتاب معالم في الطريق : "
وأخيراً فإنه حين يقوم " الإنسان " بالخلافة عن "الله " في أرضه على وجهها الصحيح : بأن يخلص عبوديته لله ويخلص من العبودية لغيره ، وأن يحقق منهج الله وحده ويرفض الاعتراف بشرعية منهج غيره ، وأن يحكم شريعة الله وحدها في حياته كلها وينكر تحكيم شريعة سواها ، وأن يعيش بالقيم والأخلاق التي قررها الله له ويسقط القيم والأخلاق المدعاة . ثم بأن يتعرف بعد ذلك كله إلى النواميس الكونية التي أودعها الله في هذا الكون المادي ، ويستخدمها في ترقية الحياة ، وفي استنباط خامات الأرض وأرزاقها وأقواتها التي أودعها الله إياها ، وجعل تلك النواميس الكونية أختامها ، ومنح الإنسان القدرة على فض هذه الأختام بالقدر الذي يلزم له في الخلافة . . أي حين ينهض بالخلافة في الأرض على عهد الله وشرطه ، ويصبح وهو يفجر ينابيع الرزق ، ويصنع المادة الخامة ، ويقيم الصناعات المتنوعة ، ويستخدم ما تتيحه له كل الخبرات الفنية التي حصل عليها الإنسان في تاريخه كله .. حين يصبح وهو يصنع هذا كله " ربانياً " يقوم بالخلافة عن الله على هذا النحو - عبادة الله . يومئذ يكون هذا الإنسان كامل الحضارة ، ويكون هذا المجتمع قد بلغ قمة الحضارة . "
اعتذر عن الكتابة بهكذا موضوع ولكن يبدو أن فكر الأرض المُسَطَّحة الذي انتشر بالغرب بدأ ينتشر عندنا وكأننا بحاجة إلى مصيبة جديدة تحل بنا.
وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ ...إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلِ
فلا تذهبوا بعقولكم إلى حافة الجنون ... رجاءً
ليث التل
31/10/2022