شحارير
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
مضت مدة لم أكتب فيها مقالا، فبعد نشر روايتي الأولى والأخيرة (آخر الرجم) تملكني شعور بالتخمة الكتابية، ولا أدري هل هي حالة عامة تصيب كل من يكتب روايته الأولى أم هي حالة خاصة بي سببها شعور بأنني اقتطعت جزء مني على شكل أحرف وكلمات فيلزمني فترة حتى أستعيد ما فقدته من نفسي وما أجهدت به عقلي، ولعل الأيام تُريني حلا لهذه الحالة الغريبة قريبا.
إلا أن الفأر أخذ يلعب بعبي مؤخرا يوسوس لي أن أصبح شحرورا من الشحارير التي زخرت بها بلادنا وأوطاننا مؤخرا، تشحررت كثيرا قبل أن أقرر نوع الشحرور الذي أريده لمستقبل أيامي ومكبري، وبعد تفكير طويل قررت أن أتشحرر بالطب والدكترة، فقد زهقت من الهندسة والمخططات خاصة أنها في الفترة الأخيرة لم تعد تُطعم خبزا ولا ترفع قدرا، فبعد عز أيامها القديمة وبعد أن كنت وشريكي نمتلك أربع شركات (الملك لله وحده) تقلصت أعمالنا واقتصرت على شركة مقاولات لا تجد عملا إلا برشوة أباحها لنا شيوخ وحرمها علينا الدين، وسوبرماركت نقارع فيه الزبائن على الشلن والعشرة قروش في بلد دمرته حكوماته المتعاقبة وسرقه الشُطّار والفُجّار.
ولعل الشحررة في علوم الطب هي أسهل عليّ من غيرها لأن نقابة الأطباء مشغولة هذه الأيام بالبحث عن طرق لتسديد رواتب المتقاعدين الذين ذهبت أموالهم أدراج الرياح مع استثمارات صناديق تقاعد النقابات التي تبخرت بين ليلة وضحاها، فمن سيعلم بي إن فتحت عيادة للطب أو أني صممت تطبيقا طبيا على الشبكة العنكبوتية أُشخّص في الأمراض وأصف فيه الدواء، فبعد التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل فإن الوصول إلى المعلومة أصبح يسيرا فرأس مال الشغلة إنك تجوجلها (يعني تبحث عنها في جوجل) فيخرج لك من العلوم ما يتضاعف عن سابقه كل عام، وسيلتي إلى ذلك أني في غابر أيامي أخذت دورة (أكيو برشر) وهو العلاج بالضغط في مواقع الإبر الصينية كلفتني 300 دينار وهو مبلغ كاف لوصول أي إنسان لمرحلة الشحررة في أي تخصص يريده هذه الأيام، كما أني خبير بالأعشاب، الزنجبيل، الميرمية، اليانسون، والحب هان وما شابه، أما خبرتي العملية التي كسبتها من جرجرة أولادي إلى طوارئ مستشفى الجامعة كلما ارتفعت حرارتهم وهم صغار جعلتني أقتنع أن المضاد الحيوي (أموكولان) هو المضاد الحيوي الصالح لكل زمان ومكان أعالج به أي مرض مستعص، وأستطيع سرقة روب الطب الأبيض الخاص بإبني، فتكتمل لدي كل عناصر ممارسة الطب وما حدا إلو عندي دخل، فأنا حر وهذا زمن الحرية.
فهل يستطيع أحد أن يمنعني من إلغاء وجود الجهاز العصبي في الإنسان واعتبار الأعصاب مجرد خيوط وحبال لا داعي لها، أو الاستعاضة عن الدم بعصير الكركدية فكله لونه أحمر. وهكذا دواليك من فكر طبي تقدمي أتخلّص به من الموروث العفن لأبقراط وابن سينا، فالغرب وصل إلى القمر ولا زلنا نحن نقرأ في كتب الطب القديمة ونقدس النصوص ولا نعمل العقل، فإن كان الأطباء سابقا برعوا في زمانهم فهم رجال ونحن رجال.
ولا شك أن طرحي التجديدي هذا سيجمع حولي جمعا غفيرا من عشاق الانعتاق من الماضي والتحرر من التخلف، ولو أني ذهبت بهذه العلوم إلى أدغال الأمازون فإن سكانها المنقطعون عن الحضارة ربما رفعوني فوق مستوى طبيب إلى مستوى مفكر طبي إن أنا تمكنت من تخفيف آلامهم ببعض المسكنات، مُعظّما طرقهم القديمة في العلاج، مدغدغا عواطفهم وكرههم لكل ما يعكر مزاجهم ويخالف أهواءهم، وربما في يوم من الأيام أصبحت فيهم نبيا أو لربما قدسوني وعبدوني.
ولسوء حظي المعتّر أنه في (ليلة ما فيها ضو قمر) كبست عليّ الحكومة وأغلقت عيادتي وصادرت نتاج فكري الطبي المُتقد مُؤيَّدةً برأي عام مستنكر لهذا الإيمان بلا حدود الذي أبدعته أو ابتدعته، ولم ينجو منا نحن الشحارير من حملة الحكومة هذه إلا من تشحرر بالدين والعقائد والإيمان ففتحت له الفضائيات الخليجية والعربية أبوابها ورحبت به الحكومات وصفق له الإمعات.
والطامة الكبرى أنّ حلم الله معهم جعله في نفوسهم أهون الناظرين إليهم، فعربدوا وفسقوا حاديهم المهندس المدني محمد شحرور الذي ترحم عليه من أتباعه جمع غفير، ولا حول ولا قوة إلا بالله
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضو عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»
نسأل الله العفو والعافية
30/12/2019