خليل
مقداد 28/5/2024
ما إن أمسكت الكتاب وقرأت العنوان (قمر حران) حتى سرت قشعريرة
في جسدي، ربما لهيبة الرجل الإمام وما أكنه له في قلبي من حب وإجلال.
لم أطق صبرا على الانتظار.
تصفحت بضع صفحات على عجالة، فأدركت أن مطالعة الرواية تحتاج
لتفرغ وذهن حاضر، فحتى الورق المستخدم في طباعة الرواية يشعرك إنها تاريخية أو
أثرية.
لم يطل بي الوقت كثيرا فوجدتني وقد فتحت الكتاب مجددا، وبدأت
التهام صفحاته الواحدة تلو الأخرى، وانتقل من عنوان لآخر بنهم شديد.
وددت لو استطعت إكمال الرواية في جلسة واحدة لكنها استغرقت
جلستان من المتعة والسياحة في واحدة من أجمل الروايات التي عدلت وأنصفت وروت جانبا
مهما من حياة الإمام المجدد والمحدث المجتهد المفتي المجاهد شيخ الإسلام: تقي
الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الحراني، الملقب بابن
تيمية، الذي لو أراد لكان إمام مذهب خامس، لكنه رفض كل حظوظ الدنيا ولم ينتصر إلا
لدين الله، أما نفسه فقد قهرها وعفى وسامح وأحل كل من ظلمه.
لقد تمنيت لو أن الرواية لم تنتهي فهي شيقة تنقلك برشاقة مذهلة
ولغة رصينة، وأسلوب برهن عن قدرة وإمكانيات عظيمة للروائي الكاتب ليث طارق التل،
الذي نجح بنقلنا إلى تلك الفترة من الزمن فعايشناها بكل جوارحنا وكأننا بينهم.
من الأشياء الرائعة في الرواية، أسلوب تقديم المعلومة، الذي
ابتعد عن الرتابة في السرد، فتارة يقدمها بحديث أحد أبطالها عن نفسه في خلوة أو
استذكار، أو في حوارات ثنائية، قدمت أهم ما يجب أن يعرفه القارئ والمتلقي من
معلومات.
خصوم الامام ومناظراته معهم، وكيدهم عليه، أهم مؤلفاته وأسباب
تاليفها، عائلته وحياته الشخصية وتنقلاته وأسبابها، عدم زواجه، علاقته باخوته،
ووالدته المربية الفاضلة؛ ست النعم وبره لها، وأحداث عظام صنعها أو أخرى أثر بها.
لقد قدمت الرواية السلطان محمد قلاوون بطريقة لم يعهدها المتابع
من قبل، بكل مافيها من إيجابيات وسلبيات، وأعمال عظيمة جليلة، وشرحت جانبا مهما من
جوانب دولة المماليك بضعفها وأوج قوتها.
ما إن وصلت لخاتمة الكتاب حتى سرت قشعريرة زلزلت أركان جسدي من
الرأس حتى القدم فقد عشتها بكل جوارحي.
هذه رواية تستحق أن تتصفحها فلا تتركها إلا وقد ختمتها، وتستحق
أن يطالعها فتيان وشباب المسلمين فلا يخلو بيت منها، كيف لا وهي سيرة إمام مجدد
أعاد للدين صفاءه ونقاءه ومجده بفضل الله، وقارع كل ملل الكفر والضلال والتحريف،
ولم تأخذه في الله لومة لائم، فقهرهم ولم يخفه سيف أو سجن، فكان ينهر السلاطين
والأمراء.
هي قصة بدأت بطفل شجاع ونابغة يقرأ كتابا فلا ينتهي منه إلا وقد
حفظه ورسخ في عقله، ثم شابا ورجلا وكهلا وشيخا لم تصادفه مسألة إلا وقد كتب فيها،
سنده إلى ذلك كتاب الله وسنة رسوله، ثم سيرة صحبه الكرام.
هي رواية ومرجع، جعلها الله في ميزان حسنات كاتبها الاستاذ ليث.