الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

متى يكون الحمار حمارا ؟


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
متى يكون الحمار حمارا ؟



الحمار كائن حيواني وأحيانا بشري ... عادي يا إخوان ما تزعلوا، فأنا أعرف البعض منهم ، فالناس؛ منهم من هو أسدٌ بجلد بشر، وقد التقيت بواحد منهم لو وضعت أمامه أسدا ولبؤته المصون وأشباله لالتهمهم جمعيا، رغم أن وزنه لا يزيد عن 50 كغم، ومنهم من هو أصيل كالخيل يُخجلك بسمو أخلاقه وسعة كرمه، وتجد منهم الماكر كالثعلب زي الأهبل بتشاطر عليك، أو الجبان كالهر كلما سمع هيعة فرَّ منها، وها هو أحد شعراء البادية (علي بن الجهم) يُجسد  هذا التشابه بمدح الخليفة المتوكل فيقول
أنت كالكلب في حفاظك للود .. وكالتيس في قراع الخطوب
 وتجد من الناس من هو حمار كالحمار (لاحظ الحمار صفة مستقلة بذاتها).
فقد خُلِقنا جميعا من هذه الأرض وإليها نعود، إلا أن الله عز وجل خلقنا بأحسن تقويم وأكرمنا بالعقل وحَمَّلنا الأمانة، فأصبحنا ما نحن عليه، منا من يحافظ على هذه النعمة، ومنا من يرتكس إلى أسفل سافلين " أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ".
أذكر أيام كنتُ ناشطا في العمل النقابي، أننا جلسنا جلسة خاصة ذات مساء، نناقش فيها التحالف مع جهة ما، فثارت ثائرة أحدهم ووصف هذه الجهة بأوصاف قاسية، فَجُنَّ جنون جماعة الحْنَيْنِينْ (من الحنان) ومع أنها جلسة خاصة إلا أنهم طالبوه بالاعتذار، فرفض زاعما أنه وصف تلك الجهة بما فيها، ولم ينافح عن هذا المسكين إلا مهندس أديب من إربد (مش أنا) ، والذي يبدو أنه أحسنَ تربية أولاده الصغار، فكانت أكبر شتيمة سمعوها في حياتهم هي حمار وكلب، يقول مهندسنا هذا الإربداوي، أنه رافق ذات يوم ابنته الصغيرة التي لم ترى حمارا في حياتها، من عمان إلى إربد، فرأت حمارا على الطريق، فقالت له : بابا ما هذا ؟ فقال لها : هذا حمار. فاستنكرت هذه البريئة قول أبيها وقالت له بعتب: حرام عليك يا بابا تحكي عنه حمار. فرد عليها : بس يا بابا هذا حمار ! لم تقتنع البنت وأمضت الطريق حزينة تلوم أباها على وصفه الحمار أنه حمار، وكما يُقال أن تسمع بالحمار خير من أن تراه، فسكت جمع المهندسين أمام هذه الحجة البالغة، حجة وصف الشيء على حقيقته.

ليست المشكلة أن يكون بعض الناس حميرا، إنما المشكلة أن لا يعرف الحمار أنه حمار، فالتشخيص أولى خطوات العلاج، ثم من قال أن الحمار حمار، فهو مثلا يعرف الطرق عبر الوديان والجبال ويقدر الفرص والمخاطر، فقد حدثني المهندس عكرمة الغرايبة قبل أكثر من عقدين - على ما أذكر - والمسجون السابق في قضية (ألغام عجلون)، أنهم عندما أخرجوا الألغام من الحقل حينها (لاستخدامها ضد اليهود إن هم هاجموا الأردن) ووضعوها على ظهر حمار، وأرادوا التوجه به نحو أعلى الجبل، أصر الحمار التوجه نحو الأسفل، وبعد عراك طويل مع الحمار، استجاب لهم وصعد معهم الجبل، ليجدوا هناك دورية شرطة، اعتقلتهم على إثرها لثلاث سنوات، بينما ذهب الحمار إلى الأسفل حرا في حال سبيله، وقد استخدم صدام حسين أرتالا من الحمير ووضع عليهم أضوية لتضليل الطيران الأمريكي ليلا، فذهب صدام بكل شرف وبقيت الحمير، ثم إن الحمير تحسن التخفي، فقد كِدتُ أصابُ بالمس ذات ليلة حالكة، عندما رأيتُ رجلا يلبس البياض، مُباعدا بين قدميه، يطير على ارتفاع متر عن الأرض، يهتز وكأنه جان، وما أن اقتربت منه حتى تبين لي أنه راكب على حمار أسود، فبان بياض الرجل في العتمة واختفى سواد الحمار، فظننته ملكا يطير.
ومن الحمير من هو سبب هداية، كذاك الحمار الذي كان سبب هداية شاب تارك للصلاة، يوم نادته أمه وهي تجلس على الشرفة قائلة له : أترى ذلك الحمار السائر بالشارع ؟ إنه أفضل منك يا بُني رغم برك بي، فهو عابد لله ساجد له وأنت لا تصلي، مصداقا لقوله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" فما كان من الشاب إلا أن قام وصلى.
وحتى لا ينطبق علينا - إن خالفنا - وصفه تعالى: "كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا " أو قوله "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"
فكل الذي نحتاجه حتى نكون في أحسن تقويم خَلقا وخُلقا، هو قول الحبيب المصطفى :
"استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء". 
اللهم أكرمنا بطاعتك وارفع درجتنا باتباع سنة نبيك
27/12/2017


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق