الجمعة، 20 مارس 2020

فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ


بسم الله والصلاة والسلام على رسول
مقالي الجديد "فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ"
سبوح قدوس رب الملائكة والروح لاإله إلا هو يعرف ما بأنفسنا ولا نعرف ما بنفسه عالم الغيب والشهادة الحي القيوم ليس كمثلك شيء وأنت العزيز الحكيم، قال لك عيسى عليه السلام يوم القيامة "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" فقلت له " هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ".
ليس لعبد من عباد الله أن يتألى عليه، تعالى في ملكوته، حتى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يأتيه الوحي من السماء، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ قَالَتْ وَإِذَا تَخَيَّلَتْ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ "فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا" رواه مسلم، وقالت الجن " وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا".
أمام هذه الحقائق الثابته في القرآن ليس لنا أن نجزم بمراد الله وحكمته، لكننا نسدد ونقارب في فهم مراد الله ضمن النصوص الثابتة وضمن السنن الكونية، ننظر في المقدمات وننظر في العواقب، وقد ورد الكثير من الآيات والأحاديث التي كانت تربط بين عواقب ما يصيب الإنسان وبين سابق عمله، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى "وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً" كان التكذيب هوالسبب فكانت العاقبة هي الغرق، وقول رسوله "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" فكانت الفاحشة ونقص المكيال وومنع الزكاة ونقض العهد وترك الحكم بما أنزل الله أسبابا وكانت عواقبها الطاعون والأوبئة وجور السلطان ومنع القطر وتسليط الأعداء والبأس فيما بيننا.
هذا الكلام موجه "لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"، أما الذين ماتت قلوبهم وعزلوا الله (وأنى لهم ذلك وحاشا له هذا السخف في الفهم) عن التصرف في خلقه وحجدوا اسمه الأعظم (القيوم) فمحل نقاشهم ليس هذا المقال، إنما مقال يناقش غير المؤمنين الجاحدين الضائعين وليس وقتهم الآن فأغلبهم والعياذ بالله "لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ".
لذا ... ونحن الآن في مواجهة هذه الجائحة العالمية لا نستطيع أن ننكر أنها عذاب وغضب من عند الله استقراء للأسباب ونظرا في العواقب، وفي المقابل فإننا غير جازمين نعتقد أن البشرية طغت وأن عموم الناس فجروا وكثير منهم كفروا، ونظرا فيما ورد في الآيات والأحاديث السابقة فإننا أمام أسباب كثيرة وسنن غلابة تحققت عواقبها "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا".
يجب على البشرية اليوم قبل الأخذ بأسباب مواجهة هذا الابتلاء العظيم أن تخلع الكفر والشرك وأن تترك الفجور والعصيان وأن تتوب إلى الله عز وجل "فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" فإن الادعاء بأن لله ولد تهتز له السموات والأرض "تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا،أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا"، ثم بعد ذلك تأخذ بالأسباب التي لا يقلل أي عاقل الأخذ بها ومنها إغلاق مكة والمدينة والمساجد، وبعد ذلك يكون الدعاء والتضرع إلى الله واللجوء إليه.
إن الظلم قد عمَّ الكرة الأرضية ورفع المظلومون أيديهم إلى السماء، وقد حذر الله الظلمة والطغاة من هذه الدعوات حيث قال رسوله "اتَّقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب". ودعا المؤمنون الموحدون المظلومون ورفعوا أكفهم إلى السماء في فلسطين وسوريا والعراق وأفغانستان والإيغور والروهينغا وغيرها من البلاد كثير موقنين بالإجابة جاهلين بالكيفية والتوقيت، هل سيجيب الله دعاءهم في الدنيا أم يدخره لهم في الآخرة، وحاروا في الكيفية:
كيف سيبطل الله قوة طائرات أمريكا فوقهم، وهو فوق الطائرات وهو ربها ؟
كيف ستنسحب مليشيات إيران المجرمة وقد جاءت من كل حدب وصوب تقتلهم في سوريا والعراق؟
كيف ستنسحب القوات الروسية المحتلة لبلادنا وهي متمكنة في كل زاوية وركن من سوريا؟
كيف سيخرج ألآلاف من السجون وقد أحاط بهم الطغاة من كل جانب؟
كيف ستنهار الرأسمالية العالمية وكيف ستتحرر الشعوب من ربقة الشركات العابرة للقارات؟
كيف ستكف الأمم الغالبة عن سرقة ثروات الشعوب المغلوبة؟
كيف ستتحرر الشعوب العربية والإسلامية من أنظمة العمالة والخيانة؟
كيف ستنهار الأفكار الليبرالية والإشتراكية والديمقراطية التي ألَّهت الشعب من دون الله وحاربت الإسلام؟
كيف سَتُغلق البارات والأندية الليلة وبيوت الدعارة المشرعة أبوابها في العالم الإسلامي؟
كيف وكيف وألف كيف ؟
لو طُلب من كبار كتبة السيناريوهات الخيالية والمستقبلية لكتابة سيناريو يُجيب فيه الله دعاء المظلومين لحارت عقولهم وعجزت مخيلاتهم عن إيجاد ذلك السيناريو، وربما، وإكررها عشرات المرات، ربما يكون ما حدث من جائحة كورونا هو إجابة لدعاء هؤلاء:
ففايروس لا يرى بالعين المجردة ربما يكون هو السيناريو المرعب الذي سيصيب الذين ظلموا والذين أيدوا والذين سكتوا "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً".
فربما يضطر كورونا الدول المستعمرة لسحب جيوشها من بلادنا لضبط حالة الإنفلات الأمني التي بدأت تطل بقرنها في دولهم، فأمريكا – على سبيل المثال لا الحصر - التي لم يعد في متاجر سلاحها أي طلقة وباعت في اسبوع واحد 2.4 مليون قطعة سلاح، ربما تضطر لإعادة جنودها لحفظ الأمن على أراضيها، كما فعلت بريطانيا البارحة وسحب جزءا من جنودها من المنطقة.
وربما تضطر إيران لسحب ميليشياتها المجرمة لتقوم بمهة حرق ودفن جثث قتلى كورونا الذين لا يزالون يتبركون بالأضرحة ويتحدون الفايروس بغباء منقطع النظير، ومواجهة ما سيكون ربما أسوء موت أسود في تاريخ إيران.
وربما تنهار الأسواق العالمية وتتدمر الشركات العملاقة في مواجهة الركود غير المسبوق الذي بدأ حاليا ويتنبأ له الخبراء أنه سيكون أسوء أزمة اقتصادية تشهدها البشرية.
وربما يخرج الطغاة كل المساجين خوفا من الفوضى والتمرد الذي سيحصل في السجون.
وربما تصبح النوادي الليلة وبيوت الدعارة خرابا يبابا خوفا من كورونا.
وربما تنشغل إسرائيل بنفسها فاتحة بذلك فسحة لمشروع تحرير حقيقي يحرر القدس من دنسهم ورجسهم.
وربما تتوقف كل حركة الطائرات الحربية من فوق رؤوس المجاهدين في كل مكان، لا بصواريخ سام ولا بمضادات الطائرات بل بفايروس لا يرى بالعين المجردة.
ربما وربما وألف ربما.
وإن لم تتدارك الأمة نفسها وتعود لربها وتأخذ بأسباب الغلبة فلربما هلكت مع الهالكين، وإن بقيت الأمة تستهر بهذا الذي أصاب العالم، كحال الممثلة المصرية التي قالت "نحن الذين سنجيب للكورونا كورونا" أو كالراقصة التونسية الخليعة التي تقدم يوميا على الفيس بوك "رقصة الكورونا" للمشاهدين في بيوتهم، أو كما يفعل بعض الأردنيين في نوادي وملاهي فنادق العبدلي، أو كما يفعل بعض الشيوخ الأدعياء ويتألون على الله ويزعمون أن ما يحصل ليس بغضب ولا عذاب، وكأنه عندهم كتاب من الله بذلك، بدل أن يُذكروا الناس بقوله تعالى "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، أو كما يستهزئ العلمانيون ويدعون أن بناء المستشفيات أولى من بناء المساجد، وهم لا يعلمون أن هذا الفايروس يستطيع بإذن الله أن يسبب انهيارا كاملا لكل النظام الصحي في العالم إن لم يكف الله شره عنا.
وكما وكما وألف كما.
اللهم اصرف عنا شر هذه الجائحة وارحم الناس والبشر وردهم إلى دينك ردا جميلا وارحمنا برحمتك والطف بنا فلا قبل لنا ولا لمنظمة الصحة العالمية ولا للدول العظمى ولا الصغرى بهذا الفايروس الصغير الذي لا يرى حتى بالعين المجردة، اللهم لا تجعلنا كمن قلت فيهم "فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ،لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ"
اللهم إنه فايروس من خلقك وأنت ربه وخالقه وأنت أرحم بنا من أنفسنا، وإنه آية من آياتك وأنت العزيز الجبار الحي القيوم فتجاوز عنا فقد شخصت أبصار الصالحين وأقروا بضعفهم وبذلوا وسعهم فانصرهم يا رب بنصرك الذي وعدت، وأنت القائل
"إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ"
فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ
ليث التل
20/3/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق