السبت، 8 سبتمبر 2018

طِيبة أم هبل


طِيبة أم هبل
يتجدد عندهم، صراعُ (الطيِّبَة نفوسهم) مع ضدها وعكسها، فَيُظهر أسوء ما فيهم، إنه نيوتن وقد تجلت نظريته بأبها ما يمكن، فكما أن لكل فعل رد فعل ، وكما أن لكل الأشياء أضداد توازيها، وقوة تعاكس اتجاهها، فلن يكون ضد الطِيِبَة السارحة الناثرة شدوها إلا الغضب الموجه المركز، إنها المعركة التي يخوضها الطيبون مذ شعروا بالتغرير أول مرة، يوم خاب ظنهم في التجربة الأولى، فهم لطيبتهم لم يتوقعوا يوما أن هناك في الحياة شيئا ضد البراءة ، وأن في الناس من يتنفس غيرها، لكن الطيبة الغضة تغلب الشقاء الغض منذ بواكير التشكل والقولبة، وكلما مر على هؤلاء الزمن، وكلما ردحت بهم الأحداث ردحا ، كلما أشتدت الطيبة وقوي عودها وعلى الضد من ذلك كبر فيهم اللؤم الكامن، وبقي صراع (المَسْك أو الإرسال) مُعَلَقَا مع الأيام، هم أعرف الناس بالمثل القائل (احذر غضبة الحليم)، فإن الحليم بغضبه يُخرج أضداد الطيبة والتسامح المكبوت منذ سنوات العمر الغابرة، ومنذ ضحكات النصابين عليه يوم غُرر به ذات ربيع ، ومنذ اكتشافه للمصالح التي كانوا يتقربون بها إليه، لا لصداقة تُرجى، ولا لروح تآلفت، إنما لحاجة مُرجاة وبضاعة مُزجاة، فكان في كل مرة ينتصر، ولكن أصعب ما في هذا الانتصار هو شعور خصومه وقناعتهم المتعاظمة أنه أهبل، كان يمتلك الرد، وعنده الحُجَّة، ولم تنقصه الوسيلة، لكن نفسة السامية كانت تغلب، وهم في وهمهم يعتقدون أنهم هم الغالبون ، كم غاظه هذا الشعور وكم ساءه هذا التعالي، لكن لذة المنتصر على الضد بداخله كانت تطغى ، لا يوازيها في ذلك إلا لذة الفاتح المنتصر يوم هزم العدو، وصنع المجد، وحفظ البيضة، وأقام العدل، يتردد صدى الرضى في نفسه؛ تردد هتاف المصفقين له يوم نصره ، ويلمع بريق الألعاب النارية في عينيه وقد أُعْلِنَ القائد الملهم وصانع التاريخ والمجد التليد.
صراع يقف به على الحافة، وقد واجه أوجع الخذلان، وملحمة ذهبت به أبعد بكثير مما كان يظن نفسه قادرا عليه، يواجه في يومه وليله الضد بداخله، يغالبه بالطيبة التي وإن كانت متجذرة كالليث الذي ما ملك إلا بندوب معاركه وجراح أيامه، وقد وسمته شاهدة على هزيمة نوازعه وأضاده ، وَتَأَسُّدِه متفردا منتصرا على نفسه الشقية، إلا أنَّ غريزة الافتراس ملازمة له، لا يدري متى الحيوانية بداخله تخرج عن السيطرة، ويؤذن لها بالسيادة
7/9/2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق